تصاعدت وتوالت الخلافات الكثيرة، بين قيادات حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المشارك في التشكيلة الحكومية الحالية، آخرها البيان الأخير لحزب الوردة، التي تمت صياغته بعد اللقاء الذي نظمه المكتب السياسي في الأشهر القليلة الماضية عن بعد والذي دام يومين، تمخضت عنه ردود فعل من طرف قيادة الحزب وأعضاء المكتب، الذين صرحوا بأن وثيقة البيان، لم تعبر عن المواقف والخلاصات التي اجتمعوا من أجلها، وأن كاتبهم الأول إدريس لشكر، حرر البيان بطريقته الخاصة، وجعله تقرير غلبت عليه الكلمات الذاتية، وفلسفة الأنانية.
هذه الصراعات النرجسية، والأزمات الداخلية، التي بات يعرفها حزب عبد الرحيم بوعبيد، بسببها فقد قيمته السياسية، ولم يعد قادرا على أن يزيد أكثر، وقد ينقرض غدا أو بعد غد، دون أن يكون حدثا مفاجئ، لأن الإتحاديون اقتنعوا بأن حزبهم أصبح جد عادي، وكما يعلم الجميع، أنهم نجوا من المقصلة التي هوت على رقاب أصدقاءهم، في الكتلة الديمقراطية، بمساعدة جيش من الأعيان، لا يفقهون شيئا عن الإتحاد، سوى التزكية الانتخابية، والذين كانوا بالأمس القريب ضروريين ومهمين، واليوم أصبحوا أعيار.
لولا السريالية السياسية المغربية، التي بسببها تمكن الحزب الصعود إلى الحكومة الحالية، ورئاسة مجلس النواب، هذه الخطوات هي التي سرعت الإطاحة بعبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية الأسبق، لكان ألقي بالاتحاد الاشتراكي إلى هامش النسيان السياسي مرة واحدة، وإذا رجعنا لذاكرة الحزب قبل سنوات، فقد انتدب إدريس لشكر آنذاك، القيادي المرحوم عبد الله رفوش الملقب بولد العروسية النائب البرلماني في مراكش، المنتمي قيد حياته سياسيا للاتحاد الدستوري، هذا الحزب المنكوب، فقط ليؤكد لخصومه المعارضين، قوته التنظيمية لكن بعدما توصل هذا الأخير للحقيقة المرة، قدم نقدا شخصيا واضحا وأليما، يقول فيه: “أنه لم يجد حزبا و لا مناضلين و لا قيما اتحادية و لا قوات شعبية، وكل ما ألفاه، وهو يناقش جهابذة الكلام، كراسي مهترئة، ومناضلون ما يزالون معتنقين الشعارات الماركسية العتيقة، ومؤمنين بأن الجماهير الشعبية، تخدر بالرأسمال وبؤس الفلسفة، وتذهب إلى الصناديق، بعد أن تنصت للخطب المهيجة لإدريس لشكر، ويونس مجاهد”، ثم تابع وفي تحليل عميق: “ليس هناك حزب اسمه الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هذا فقط وهم، كنت أؤمن به قبل أن أنخرط في الحزب”، بعدها أضاف ولد العروسية: “صحيح أنه لا يمكن لأي منا أن يقول شيئا سيئا عن الرمز مهدي بنبركة، لأنه من مؤسسي الحزب، لكن على الاتحاديين أن يفهموا أن الأزمنة تغيرت، وهادي وقيتة أخرى وعقلية أخرى، والحزب دوز العز، لكن خصو يخدم بطريقة عقلانية”، قبل أن ينتقل إلى موضوع آخر ويؤكد فيه: “أن الاتحاديين يتصارعون فيما بينهم، حول المراكز، و لا يتواصلون مع المواطنين، و لا يقدرون على اقتناء قنينة ماء واحدة، يعبون منها في الاجتماعات”، انتهى كلام ولد العروسية، هذا النقد الذاتي الموضوعي والمنطقي، هزئ منه الاتحاديون حينها، وجعلوه مادة دسمة للسخرية فيما بينهم.
الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي تخلى عن رؤيته ومنظومته وقواعده التي تأسس عليها، حين اتخذت عصبة منه، طريقها بأن تقبل الدخول في خانة لعبة النفاق السياسي، وتحفر هوة شاسعة مع مناضليه الحقيقيين، ليصل وللأسف إلى هذه النهاية المأساوية، أما بالنسبة للشكر فقد أصبح دكتاتورا بشهادة معارضيه، وصلة بالموضوع، صرح أحد أعضاء المكتب السياسي قائلا: أن لشكر تعامل خلال الاجتماع، بغطرسة وعنجهية، وبدون احترام أدنى أدبيات الديمقراطية الداخلية، وعدم الاستماع للزملاء والزميلات بالمكتب السياسي”، مضيفا ذات المتحدث، الى أنهم حين يعارضونه يقول لهم: “ان هناك قانون، علما أن هذا القانون هو من كتبه بنفسه”، وأشار المصدر نفسه، بأنه تفاجأ كباقي المناضلين، الذين حضروا اللقاء وكيفية تعامل لشكر معهم قائلا: “كأنه في ضيعته، يأمر ويفعل ما يريد دون أدنى اعتبار لأي كان”، وتابع أيضا: “أن هذا التعامل، يظهر أن هناك مشكلة عميقة في الحكامة الداخلية للحزب”، مضيفا: “إن القانون الداخلي، يؤكد أنه لا يمكن للكاتب الأول، أن يقدم على قرار ولا على خطوة، إلا إذا نوقشت داخل الأجهزة الحزبية المخولة لذلك”.
الخلافات النرجسية المجانية، التي مست البيت الداخلي لحزب الوردة، خرجت على الأعراف المنطقية والأخلاقية، بل وصلت إلى درجة أن لشكر ومعارضيه، باتوا يمارسون لعبة الضرب تحت الحزام، هذه المنهجية ليست وليدة اليوم بين القيادات، التي تتصارع فيما بينها، من أجل المناصب والكراسي، وتحقيق المصالح الشخصية، على حساب مصلحة الحزب، والتي بسببها قدم الإتحاد الكثير من التنازلات في نزاعه مع خصومه، وكذلك أضعفته وستضعفه لا محالة سياسيا، في مساراته الانتخابية التشريعية والجهوية والمحلية، إذن، نخشى أن يكون قد فات الأوان، ليصلح الاتحاديون حصنهم من جديد، ويرجعوا إلى رشدهم، وإلى أسسهم الحقيقية.