يحز في النفس، واقع البحث العلمي في المغرب، لأنه بكل بساطة يفتقد للقوة المطلوبة، ليكون في مستوى مواجهة التحديات والمتطلبات العالمية، فهو لا يعتبر من الأولويات بالنسبة للمسؤولين الحكوميين، بل ينظر إليه كمسألة ثانوية، ولا يخصص له ميزانيات مالية كافية.
كشفت إحصائيات و تقارير دولية، أن مؤشر عدد المشتغلين بميدان البحث العلمي بالنسبة إلى التعداد السكاني، من المعايير، و الشروط الأساسية المعتمدة دوليا، في تصنيف الشعوب في سلم هذا البحث، فعدد الباحثين في الدول المتطورة كبيرا (أمريكا الشمالية 9533 عامل، و 2206 في أوربا).
من الأسباب الحقيقية، التي تفسر هذا الضعف الكبير في عدد الباحثين و العلماء على الصعيد الوطني، هو نقص النفاق عن البحث العلمي، ذلك بأن ما تخصصه الحكومة المغربية، من اعتمادات مالية لهذا الغرض، لا يصل إلى النسبة المتعارف عليها عالميا، و التي تقيس ما إذا كان إنفاق أية دولة على هذا البحث إيجابي أو سلبي، و هذه النسبة هي 1 في المائة من الناتج الإجمالي، و يكون الإنفاق مجديا، إذا وصل هذه النسبة، و إذا لم يبلغها، يعتبر غير مجد.
و تؤكد التقارير و الإحصاءات، على أن ما يخصصه المغرب على البحث العلمي، يظل دون المستوى المنشود، بحيث لا مجال للمقارنة مع الدول المتقدمة، فالعالم ينفق حوالي 2.1 في المائة في المتوسط من إجمالي دخله الوطني، على حقل البحث العلمي، أي ما يناهز 536 بليون دولار، و يشتغل في مجالاته في العالم، ما يقارب 3.49 مليون باحث.
فالولايات المتحدة الأمريكية، و اليابان، و الإتحاد الأوربي، قدر الإنفاق ب 417 بليون دولار، و هو ما يتجاوز ثلاثة أرباع إجمالي الإنفاق العالمي. فالجامعات المغربية، تخصص ميزانية ضعيفة للبحث العلمي، هذا في الوقت الذي ترصد فيه جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، ما يناهز 40 في المائة من ميزانيتها العامة، و كذلك جامعات أخرى في ألمانيا، و بريطانيا، و “إسرائيل”، هذه “الدولة” التي تنفق على التعليم أكثر من 6.5 في المائة من ناتجها الإجمالي، و بلغت نسبة العلماء و الباحثين في هذا البلد أكثر من 76 لكل 10 الآلف نسمة، هذا الكيان، الذي أعطى اهتماما كبيرا للعلم، حيث استطاع إنشاء عدد مهم من المعاهد و المراكز العلمية، في ميادين التكنولوجيا المتقدمة، و تطوير السلاح، و الالكترونيك، و التقنيات الدقيقة…إلخ.
فإنتاجية البحث العلمي في المغرب، تبقى جد محتشمة، و هذا راجع إلى حجم الإنفاق على هذا النشاط المحوري، و المهم، و الذي ينعكس سلبا، على واقع هذا البحث، خاصة عند ظهور فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، والذي كشف وبالملموس على أن البحث العلمي، يجب أن يحظى بنوع من الإهتمام من طرف الحكومة المغربية، وكذا ضرورة انخراط مراكز البحث والمختبرات الوطنية في هذا المشروع العلمي، لأن أهميته تكمن في النتائج التي يحققها هذا البحث، حتى يتم استثماره في معالجة القضايا والإشكالات، التي اهتم بدراستها والبحث فيها، لذلك لابد أن تعطى له الأهمية الكبرى من طرف الجهات الوصية، إلى جانب توجيه الباحثين للقضايا الآنية، التي تتطلب البحث والدراسة، مع رصد التمويل المالي الكافي، لإنجاز هذه المشاريع العلمية، بالإضافة إلى نهج عملية التتبع مرحلة مرحلة، مع الاهتمام بالنتائج المتوصل إليها، من طرف الباحثين، دون وضعها في الرفوف، والتركيز على الاستيراد.