كلمة راديكالية، تختلف من بلد لآخر، ومن زمن لآخر، ففي بلدان الغرب، غالبا ما يساند الراديكاليون، بعض المفاهيم الاشتراكية، بينما كان الراديكاليون في بلدان أوربا الشرقية، يعارضون وجود الأنظمة الاشتراكية القائمة، ويمكن القول بأن الراديكالية، هي خطة او سياسة، تهدف لإدماج إصلاحات وتغييرات عميقة، على المنظومة الاجتماعية القائمة، والأحزاب السياسية الراديكالية في بعض الدول في عصرنا الحديث، تمثلها نخب سياسية يمينية أو يسارية متطرفة.
وتفسير كلمة راديكالية كذلك، التطرف، أي النزعة الى إحداث تغييرات متطرفة متشددة، في العقل والفكر، والعادات والتقاليد السائدة، والأحوال، والمؤسسات القائمة.
وخلصت مجلة بريطانية في بحث مطول، يتعلق بالإرهاب الجديد، أو العنف الراديكالي الحديث، أن آفاته لا يمكن إعطائها تحليلات مؤثرة حاسمة ومحددة، سواء فيما يخص المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، أو التشدد الديني، أو العقد النفسية، لهذا يصعب محاربة هذه الظواهر، فالإرهاب لا يتوفر على صفة منفردة، ولا على خبايا محددة، بل إنه في حد ذاته لا يوجد، وانما يوجد أشخاص، ينفذون عمليات إرهابية.
فالتجارب الإرهابية كثيرة، نذكر منها، إرهاب الفوضويين الروس، في القرن التاسع عشر، إلى الإرهاب الايرلاندي والباسكي والإسرائيلي في القرن العشرين، مختلف هذه الظواهر، تجمعها سمة الإرهابي، الذي هو في الغالب، إنسان عادي، لا يختلف عن غيره، من عموم الناس.
و من خلال هذه المقالة، أريد الوقوف، عند أخطر ظاهرة في العصر عرفها القرن الواحد العشرون، ما يسمى ب “داعش” المهزومة، هذا التنظيم الإرهابي، الذي استقطب العديد من الأشخاص، هم في واقع الأمر، أناس عاديون، و قليلا ما تلعب العاطفة الدينية، دورا قاعديا، في انتمائهم إلى الجماعة الراديكالية الجديدة، فهم على أرض الواقع، أجراء يقومون بمهام ميدانية و حشية، و اللاإنسانية، مدفوعة الأجر، أو أفراد، يستفيدون من مداخيل التهريب و الجريمة، و جل زعماء التنظيمات الإرهابية، هم أبناء الطبقات الميسورة، و البرجوازية المتعلمين، القادرين التأثير، على الكثير من الشابات والشبان، بسياسة خطابية عقلانية أو دينية.
وكشفت الفيلسوفة الألمانية الامريكية “حنة آرندت”، أن النازية قامت بجرائم، تصنف في خانة الشر المبتذل، أي الشر الذي تحول الى مهنة بيروقراطية إدارية عادية، ضمن سياق طبيعي، يؤدي فيه الجلاد المجرم، دورا تقنيا، لا يختلف عن غيره من المهام البيروقراطية الأخرى، كما تفسر كذلك، لم يكون له وجه بطل قاتل، ولا حتى مجرم مخيف، بل هو شخص تافه، يثير الشفقة، لا يستشعر حجم الفظائع التي نفذها، وإنما يعتبر نفسه، موظفا يؤدي واجبه الإداري العادي. لا يختلف الشخص الإرهابي، في جرائمه الوحشية، عن المجرم النازي، عندما يحول القتل العشوائي، الى أداة لممارسة السياسة، ومواجهة الخصم، وإبلاغ الرسالة.
فالإرهاب، لا زمان له، ولا مكان، يمكن أن ينتشر في أي بلد في العالم، في أي لحظة، فهو ليس بالعمل السياسي، ولا بالحرب التقليدية، التي كانت لها ظروفها الخاصة، وضوابطها الإجرائية والمعيارية، كما أنه ليس بالجريمة المنظمة المعتادة، ومن الصعب تمييزه، عن عمليات القتل الجماعي الكثيرة، التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية، في السنوات القليلة الماضية.
ومن خلال هذا، هناك صعوبة معقدة، في محاربة الجماعات الإرهابية بصفة عامة، التي تتبدل مواقعها، بوثيرة مسترسلة، وتركيبتها البشرية والمجتمعية، وأدوات عملها الملموسة.
فالتطرف الديني، هو الخلية الحاضنة، للإرهاب الراديكالي الحديث، فالخطورة هنا، تكمن في عقلية الكراهية، والتهميش، والإقصاء، التي انتشرت على نطاق واسع، حيث أصبحت مسالة عادية، لم تعد تثير الاستغراب والرفض، مثل الأحكام الفقهية التكفيرية المتشددة، وأدبيات الإسلام السياسي، المتعلقة بموضوع الشرعية، ومقاربة الشريعة.
فالإرهاب المعاصر، يمتد أثره على نطاق جغرافي واسع، وليس باستطاعة أي دولة، تملك المناعة من الإرهاب، فقد أصبح يهدد السلم والسلام، والأمن والتنمية بشكل عام، و مع تزايد الصراعات المسلحة، زادت الاعتداءات الإرهابية الوحشية، كما و كيفا، بحيث دمرت أوطان، و تسببت في زعزعة الاستقرار، في مناطق بأسرها، ففي سنة 2017 ، نفذت ما لا يقل عن 11.000 عملية إرهابية، في أكثر من 100 بلد، مما أدى إجمالا إلى مقتل أزيد من 25.000 شخص، و إصابة أكثر من 33.000 فرد، و رغم أن الأضواء تسلط في الغالب، على أعمال إرهابية المرتكبة، في دول غربية متقدمة، ينبغي ألا ننسى أبدا، أن الغالبية العظمى من الاعتداءات الإرهابية، تقع في البلدان النامية،. ففي عام 2016 ، سجل ما يقرب، ثلاثة أرباع اجمالي الوفيات، الناجمة عن الإرهاب في خمسة دول فقط، هي العراق، وأفغانستان، وسوريا، ونيجيريا، والصومال.
فالإرهاب بشتى أنواعه، يؤثر بطريقة مباشرة، على الاقتصاد العالمي بلغت التكلفة، عام 2015 ما قدره 90 بليون دولار، من دولارات الولايات المتحدة الامريكية، وقد تكون هذه التكلفة، أعلى بكثير من ذلك. وفي نفس السنة، بلغت تكاليف الإرهاب، مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، في العراق وأفغانستان، 17.3 في المائة، و16.8 في المائة، على لتوالي.
فالإرهاب الحديث، ليس مختلفا عن سابقه، من حيث نطاقه، وإنما أيضا من حيث طبيعته، فقد بات أكثر تعقيدا، وأصبحت تتبع فيه أساليب عمل جديدة.
من أجل القضاء، على هذه الظاهرة المشينة والخطيرة والمرفوضة، يجب على الحكومات، احترام كرامة الإنسان، فالتدابير الأمنية، غير كافية، رغم أنها لعبت أدوار مهمة، فالمواطن، بحاجة إلى تعليم جيد، وإلى مجال صحي فعَّال، وإلى تماسك إجتماعي شامل، يضمن له حياة كريمة كإنسان، ذلك هو الهدف الأسمى، لإبعاده، أي المواطن، عن الأوهام الخيالية والزائفة، وتساعده على أن يصبح فردا، نشيط ومنتج لبلده، ومستنير وقادر على التفكير بوضوح، والتمييز بين الصالح والطالح.