بادئا ذي بدئ، يجب أن نجزم بأن الطلاق حين ترغب به المرأة يكون من الأمور العسيرة و المستعصية و الصعبة المنال ، أما إن أراده الرجل فهو سهل ،يسير ، و ممكن التحقق بكلمة واحدة أو حتى بجرة قلم…
طبعا لا داعي أن أغوص أكثر في الحديث عن حجم المعاناة التي تعاني منها المرأة قبل أن تحصل على حقها في التحرر و الإنعتاق من ذمة رجل لم و لن يرتقي بل و لن يعرف معنى الرجولة الحقيقية، فذلك موضوع آخر و لا يكفي الحديث عنه في سطر أو سطرين…
لكن ما سنركز عليه الآن ،كيف ان مشاكل النساء لا تنتهي دائما بالطلاق بل غالبا ما تكون بداية لمشاكل من نوع آخر ، فالتحرر من سلطة الزوج لا يحرر المرأة من سلطة مجتمع يحتقرها و يهينها بل يعايرها بأنها مطلقة و يتخذ من هذه الكلمة عبارات أخرى أكثر إهانة و أكثر تجريحا لكرامتها، هذا فضلا عن ربطه بين حريتها و بين الفساد الأخلاقي …فمن المسؤول عن هذه الأفكار و المعتقدات الخاطئة حول النساء المطلقات ؟؟ و كيف يمكن حمايتهن من ظلم المجتمع الذي يعتمد بعض أفراده الإساءة إليهن؟؟؟ و لماذا يتم تحميل النساء وحدهن وزر الطلاق و ذنوب زواج فاشل ؟؟ و الى متى ستستخدم المرأة كشماعة تعلق عليها كل الخيبات و المحاولات البائسة و الخيارات المخيبة للآمال ، في حين يعفى الطرف الآخر من أي مسائلة او حساب ؟؟
لهاته السلوكات و المواقف سببان لا ثالث لهما : الأول يرتكز على رغبة المجتمع الذكوري الأبوي الشاذ في إخضاع النساء للصمت و إجبارهن على الإستمرار في زواج فاشل و الصبر على الويلات و أشد المهولات، أما السبب الثاني فيتعلق برغبة المرأة نفسها في الإستسلام و حني الرأس و التنازل عن كافة حقوقها و مكتسباتها المادية و المعنوية…ألم يحن الوقت لتكتمل إستعدادات النساء للإنتفاض على واقع ظالم إستمر لسنوات !! ألم يحن الوقت لتضبط النساء موعدا مع إنتصاراتهن الحقوقية و فسخ عقد الإنهزام المتكرر أمام العقليات الذكورية المتحجرة !! ألم يحن الوقت لتسترجع الدولة المغربية حقها في مجال تنظيم قانون الأسرة و حماية مواطناتها و تغيير الثقافة التقليدية الذكورية البائسة التي تكرس التمييز على أساس الجنس و تعزز من سيطرة الرجال على النساء !! ألم يحن الوقت ليصاب المجتمع المغربي بأكمله بعدوى المناطق الجنوبية التي تحتفل بالمرأة المطلقة بذل إهانتها و تحطيم معنوياتها و التي على الأغلب ستكون محطمة مسبقا نتيجة إنهيار مؤسسة زوجية فاشلة !!!
ليأتي الدور طبعا على الأسرة الكريمة التي لن تتردد في تسميم بدنها بأشد عبارات السب و الشتم و اللوم ( أنت السبب في الطلاق ، كان عليك الصبر أكثر ، إن يكن من أجلك فمن أجل أطفالك…) و من جهة أخرى فهم على إستعداد تام لبناء سجن محكم القضبان من أجلها، فخروج المرأة المطلقة من البيت أشبه بالجريمة فهي أصبحت في نظرهم كوصمة عار و خجل و لابد من تخبأتها عن أنظاره الجميع، فلأنها مطلقة يجب أن تسلب من كرامتها و حريتها خوفا من كلام الناس عنها…لأنها مطلقة فهي عرضة للإنحراف و اتباع طريق الفساد بكل سهولة…لأنها مطلقة فهي فريسة سهلة الإصطياد من أي كان….لأنها مطلقة فهي كائن غير قابل للإحترام …لأنها مطلقة ستدفن و هي على قيد الحياة…لأنها مطلقة سيحكم عليها بالمؤبد مع تنفيذ الأشغال الشاقة…و لأنها مطلقة ستتحمل الكثير و الكثير و القائمة طويلة، ما كل هذا الظلم و القسوة و الأهم ما كل هذه اللامساواة ، لم المرأة وحدها من تتحمل نتيجة زواج فاشل بينما يستمر الرجل في عيش حياته بشكل عادي و كأن شيئا لم يكن!!
لكن هذا لا يعني أن كل المسؤولية تقع على هذا المجتمع المريض الذي ينظر للمرأة المطلقة نظرة دونية و كأنها إرتكبت جريمة شنيعة بحملها لهذا اللقب، فالمرأة تتحمل جزءا لا يستهان من المسؤولية عند إستسلامها لترهات قياد الطاقة السلبية و زعماء اليأس و الإحباط و كسر الثقة في النفس و تأكيدها لفكرة أنها أصبحت كالبضاعة التي انتهت مدة صلاحيتها و أصبحت غير قابلة للإستخدام مرة أخرى ، بدل أن تكسر حاجز الصمت و ترفع رأسها بشموخ و فخر ، لكونها أصبحت طليقة أي حرة فهذا هو المعنى الصحيح لكلمة مطلقة فهي الآن أصبحت قادرة على العيش بحرية و كرامة و إستقلالية و لكن للأسف القلة القلائل من يعي و يفهم ذلك ، فالكل يرغب في اتباع الخطى الذكوري السلبي الذي يؤدي طريقه لا محال الى دفن وجه المرأة المطلقة في التراب بدل أن يشع نورا و أملا في بداية حياة جديدة ، أقول حياة حقيقة لا الرجوع لزمن الإستعباد و العبودية .