اعلان
اعلان
مجتمع

جدل العقل والدين بين وحدة الوجود المادي والتعدد المطلق الروحي

اعلان
اعلان

ان ما تعيشه الأمم البشرية من صراعات وعنف، وحروب سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية وإديولوجية، وما ينزغ بينها من تطاحنات ونزاعات وصدامات حول الدين والهوية والعرق والطائفية، هو نتيجة التناقضات والتباينات المترتبة عن المدارك الفكرية والفلسفية والثقافية لعصر التنوير. هذا العصر الذي جعل من العقل كل شيء حي، وما دونه فهو موات يدعو للعدم. صحيح أن المعرفة والعلم قد غيرا وجه الحضارة الإنسانية، وأن فلسفة العقلانية والفكر المادي قد ساهما في تطوير العلوم الطبيعية والإنسانية، واحدثا ثورة صناعية وتكنولوجية. لكن هل حاجة الإنسان تتوقف عن كل ما هو مادي بالمفهوم الماركسي؟ وهل العقل والعلم وحدهما الكفيلان بضمان استقرار الإنسان المادي والنفسي والاجتماعي.؟
بالنظر للعقل من حيث قدرته على صنع وانتاج ذاته، وتمتعه بإمكانية التحول والتحويل و الاستعاب والطرح، يؤثر ويتأثر بمن حوله في الطبيعة والبيئة البشرية، فإن خاصيته هاته لا تعني أنها كانت حكرا فقط على  عصر التنوير، وإلا عد ما قبله فكرا جامدا وعقلا فاقدا لوعيه. وللاسدلال على ذلك يكفي الإحالة على الفلسفة اليونانية والفكر الإسلامي وثقافات أخرى ضاربة في القدم، كالبابلية والاشورية التي شكلت معالم وحضارات أممها. حتى على مستوى طبقاتها العلمية، كالطب والهندسة وعلم الفلك وغيرها من العلوم التطبيقية، والتراث المادي كعجائب العالم السبع، واللامادي لفكر ابن خلدون وفلسفة ابن رشد، ومنطق ارسطو ومثالية أفلاطون. كانت تمثل بحق علما وفكرا وحضارة أمم سابقة على عصر النهضة والتنوير. وهو ما يؤكد على أن العلم والعقل كانا حاضرين معا في أزمنة ماضوية مختلفة، بخطين متوازيين، بالرغم من التفاوت على مستوى النسق التاريخي للفكر الإنساني.
والفرق بين الحقبتين الحضاريتين، أن ما قبل عصر التنوير كان يرجح العقل والإيمان معا في تدبر شؤون عالمه الطبيعي والبشري. وهو ما أكده كارل ماكس في كتابه الرأس المال على ان البنى الفوقية التي يقصد  بها الدين والثقافة والإديولوجة، هي التي كانت تصنع الانتاج في العصور القديمة.  وأن ما بعده يتركز أساسا على منحى واحد مطلق، هو وحدة الوجود المادي الذي يجعل من الإنتاج كل شيء حي. وفي تقديري أن تجلية ذلك مترسخ منذ القدم في ثالوث منهجي يشكل تاريخ حضارة الانسان، مكون من العقل/العلم، والدين/الروح، والمجتمع/الدولة.
أن اعتماد فلسفة التنوير على العقل دون فلسفة الروح أفرغ الإنسان من جوفه، وجعله جامدا لا يتحسس ذاته ولا يشعر بما بداخله. علما ان العقل لا يمكنه الحياة والتفكير بدون روح أو إحساس وجداني، وبالتالي ففقدان هذا الشعور يعني فقدان جزء هام في الانسان. ولذلك فلا غرو أن تترتب عن ذلك، تلك القسوة والمأساة التي نشاهدها كل يوم من حروب وتقتيل وسفك الدماء، بدم بارد دون إحساس أو رأفة.  وهذا يدفعنا إلى طرح سؤال العقل والروح من حيث أن الأول ينبني على جدلية العلم والمعرفة، والثاني يمثل مصدر الإيمان بالدين والأخلاق. فهل بإمكان العقل والعلم تعويض الجانب الروحي في الانسان؟ وهل باستطاعة هذا الأخير التخلص ببساطة هكذا من الدين؟ وما السبيل إلى الجمع بينهما خدمة لذات الإنسان؟

اعلان

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى