بقلم ذ – محمد أكعبور
باحث في الخطاب والإعلام الديني
في زمن كورونا برزت الحاجة إلى العلماء والقادة الدينيين المتنورين أكثر من ذي قبل ، وهم وحدهم من حق له ممارسة الوظيفة والبت في النوازل المعروضة على الأنظار بخطاب أليق بالظرفية ، مواكبا حركية المجتمعة وتحركه بالمنازل ومقرات العمل والأماكن العامة والفضاء المشترك : وسائل التنقل والشارع العام وأماكن التبضع.
فالوسيط الديني : الرسمي والمدني ” المتدخل في الناس للترشيد والتوجيه والتعليم الديني” يضطلع بمهمة إنماء الوعي الديني على الدوام وتثبيته في النفوس ليستحضر المتلقي مراقبة الله تعالى له في التصرفات الدينية والدنيوية .
كان من الخطابات التي تفاعل معها “المتدخل الديني ” ؛ المجتهد (مؤسسة الفتوى) والمقلد (الوسيط الديني) فكلاهما في انشغال مشترك ، لكن كل في وظيفته الموكولة إليه تنظيما وأداء :
فمؤسسة الفتوى تكفلت باستصدار الخطاب الديني العالي.
فيما جهاز التبليغ تولى الخطاب الديني البسيط البياني انطلاقا من تلكم الفتاوى “خطاب الظرفية “الصادر في شأن كورنا والمناسبات التي تتخلله ؛ دينية كانت أو اجتماعية أي تلك الأحداث التي صنعها المجتمع في رقعة جغرافية معينة كرد فعل مما يستوجب التوجيه الديني لها والتأصيل الشرعي لمنطلقاتها والصوارف الداعية إليها.
وكان على “الوسيط الديني” المتمركز بالمجتمع بقوة الحاجة إليه؛ التفاعل مع الخطابات التي برزت زمن الجائحة :
خطاب القدر؛ وهو الخطاب الذي يحاول أن يبرئ الإنسان من الفعل المنسوب إليه وتدخله في صناعة كوفيد -19 معتبرا الأمر قدرا من الله يصيب الإنسان مهما كان دينه وإثنيته مستدلا بتاريخ الأوبة ساردا الأحكام الفقهية الصادرة حينها مستطعما الموضوع بالتجربة العلمية البحثية من خلال الإحالة على الخبراء في علم الفيروسات مع ما واكب ذلك من نشرات إعلامية سواء : إعلام المؤسسات أو الإعلام الخاص أو الإعلام الاجتماعي منتظمة هدفها الإقناع وأن الأمر ليس مؤامرة ضد أحد ، ومن اعتبر المسألة كذلك فهو منه مغامرة تجني عليه دينا وتشريعا لكونه يشوش على الخلق .
خطاب الإشاعة ؛ مهمة ووظيفة الشريعة هو التوجيه والتنويه لمواجهة التمويه ؛ التمويه الذي يسير عكس الإجماعات للإفراد والجماعات ، فكلما ظهرت إشاعة سرعان ما ترى الخطاب الديني يستصدر تذكيرا حكم نشرها وعواقب تفشيها على الناس.
خطاب العنف؛ اقتضت مناسبة الحجر الصحي التجمع العائلي بفضاء ضيق مقارنة بالسابق حيث ينفض التجمع في الصباح كل إلى حاله ؛ عمل أو مدرسة أو إقامة بالبيت لوظيفة أسرية واجتماعية ليلتئم عشية ، ولكن في فترة الحجر المنزلي ؛ غالب عمار البيوت ليلا وفي العطل هم عمارها نهارا كذلك .
وحيث إن ظروف الخروج لتلكم الأغراض انتفت حماية لتكم الأعراض(الذوات) من تفشي الوباء ؛ تولدت عنه ردود فعل ضد الأصول والفروع في بعض الأسر والتجمعات ما أنتج معه رضوض نفسية واجتماعية بالدرجة الأولى وبأقل درجة مادية وجسدية ، كان لابد من التدخل الديني عبر “الوسيط الديني” لتهدئة الأوضاع فخفت انعكاسات الظاهرة نسبيا مع ملفات عالقة .
خطاب الأسرة ؛ الخطاب الذي يحاول استغوار الدور الوظيفي للأسرة في الإعمار باعتباره هذا الأخير سنة الله في الخلق لإقامة الشعائر الدينية مع تسجيلنا ضعف بينا في الموضوع مما دعت ظروف استجمعت شروط التدخل العاجل بجميع الوسائط التواصلية والتقنية والبشرية المكونة في المجال الإرشاد الأسري الذي يجمع ثقافة علمي النفس والاجتماع وهو ما يتحتم تفعيل برامج الوساطة الأسرية على اعتبار أن الأسرة في الإسلام أسرة رسالية تحمل قيما وتدينا وأعرافا وتقاليد تورثها تواترا ممتزجة بحب الوطن والدفاع عنه.
ومن كثرة ما يبرز من حين لآخر عبر الإعلام الاجتماعي من ظواهر أسرية واجتماعية وخصوصا في العلاقات البينية الزوجية ؛التي تحصد آلاف “اللايكات والكمنترات” بل بعضها يصل إلى مليون مشاهدة ; ينبغي أن تصرف كل الجهود ومن غير جحود إلى الخطاب الديني الأسري ، من خلال وسائط تواصلية وما أكثرها وتقديم نماذج أسرية ناجحة في التربية والتدين حاملة للقيم النبيلة .
فكثير من القيم الأسس ، متى تغيبت أو غيبت في التعامل الزوجي تحصل الكوارث من ذلكم :
الحب والوفاء والصدق والعفة والتدين والقرآن الكريم والسنة النبوية والتربية الدامجة وأخوات هذه كثيرة .
أرجو التفاعل مع الموضوع في مجالسنا وهو دعوة للمتنورين ؛ المؤثرين الدينيين ولكل جماعة في حي أو دوار من يؤطرها دينيا وهو المرجع في الخطاب الديني البياني .
فالمجتمع بحاجة ماسة إليكم أكثر من حاجته للطعام والشراب والنفس ، فانشروا في الناس ما يفيد وقد فعل كثير ولكن هل من مزيد ؛ وليس ما يبيد .
فمنشوراتكم : الكتابة والقول ينبغي أن تكون حاملة لرسالات تربوية واجتماعية ووطنينية ودينية وما أكثر أساليب التبليغ ومنها : القصص التربوي والحكاية الشعبية والأمثال الفصيحة والدارجة وكذا السيرة النبوية.
منحى الخطاب الأسري هو رهان الاشتغال لدى “الوسيط الديني” الذي يتولى التبيلغ والأداء الديني في جماعته كما أخذ العهدة على ذلك .
وهنا أأكد على ضرورة تجريب “الخطاب الديني الدامج” الذي سيحقق بلا شك كفايات أسرية تربوية ومن ثم دينية.
خطاب تعليمي ؛ ذلكم الخطاب الساعي إلى تنويع العمل ، حيث التعليم الديني من وظائف “الوسيط الديني” وقد اقتضته ظروف إغلاق المقرات التي كانت تحتضن تنفيذ المقررات وهكذا فقد أغلقت مجالس القرآن وتعليم الأركان وتلقين الآداب والقيم الحضورية لتنتقل إلى مجالس رقمية افتراضية تناظرية بلغت في حد كبير منها ؛ مستوى الإبداع معتمدة على مجهودات ذاتية في غالب ما يبث ما أدخل “الوسيط الديني” إلى عوالم التكنولوجيا واكتشاف التطبيقات الذكية وتوظيفها على مر زمن كوفيد-19 .
وهكذا وجدنا “الوسيط الديني” يدخل عالم المونتاج والإخراج والإنتاج ، وبحق ، فإنا بحاجة إلى تقييم هذه التجربة تقنيا وجماليا وهو موضوع سنعرج عليه لاحقا.
خطاب المناسبات الدينية ؛ واكبت المؤسسات الدينية هذه المناسبات بما يليق بها من كبير عناية وحسن رعاية ، حيث أفردتها بنصيب كبير من مجموع الفتاوى المواكبة للجائحة موجهة الناس إلى الصواب من القول والعمل اقتداء واقتضاء مع ما تخلل ذلك من شروحات بيانية بمختلف اللغات المعيارية والتواصلية من لدن “الوسيط الديني” الذي يعتبر الوثائق المرجعية الصادرة من المؤسسات الدينية مصدر المعرفة والقول لديه .
خطاب التهدئة ؛تهدئة الأنفس حماية لجوهرها وروحها ، تجنبا للتدافعات نحو الانفراد بالمشترك المتبضع وكذا تدبير الفضاء المشترك واقعا كان أو مواقعا وكذا دفعا للترافعات .
ويتصاعد هذا النوع من الخطاب تدريجيا بعد رفع الحجر الصحي لوقف مزيد من التهييج وتجنبا لنتائج التأجيج التي تصاحب الإنسان خلال تحركاته داخل الفضاءات المشتركة.
خطاب الالتزام بالاحترازات الوقائية ؛ أو الخطاب الحذر ؛ هو الخطاب الأكثر استهلاكا وتفاعلا ، وربما أمكن لنا اعتباره أسَّ الخطابات التي تفاعلت معها المؤسسات الموضوعاتية وخصوصا الدينية منها باعتبار “الحكم الشرعي لإلحاق الأذى والضرر بالجار عمدا في الإسلام “.
خطاب الاستجابة ؛ خطاب ظهر بعد إعادة فتح المساجد تدريجيا وعلى مراحل وفترات ومنها عودة صلاة الجمعة ؛ المناسبة التي تفاعل فيها الخطاب الديني عبر المواقع والعودة إلى الواقع مما كان له في الحقيقة صدى في تصديق التبليغ الرقمي ولقد كان لهذا الحطاب الديني الحضوري فضل كبير على تنفيذ الاستجابة لمضامين بروتوكل العمل الديني إلي تم الرقي به إلى مستوى التعبد .
وخلال هذه المرحلة – إلى حدود كتابة هذا العمل – عرف الخطاب الديني الرقمي تراجعا وفتورا في الاستصدار كما في نسب المشاهدات في الوقت التي كان بديلا مما يستوجب منا جعله مكسبا ينضاف إلى الإعلام الديني المؤسساتي الذي يتفاعل معه المجتمع بجدية كبيرة في المشاهدة والاستماع بعد طول انتظار دق ساعته بثا لكونه بتا في كثير من الهموم والقضايا الدينية والاجتماعية والأخلاقية .
إن كل الذي سبق يدفعنا للقول ولو إطلالة في ترشيد الخطاب الديني ولمزيد عمل مما يحققه نحن بحاجة إل :
الاجتهاد في الأساليب التواصلية والتفاعلية مع هذا الخطاب الديني ليلائم الذوق العام والفطرة السليمة المؤثرة والمتأثرة في بيئتها لذلك ؛ لزاما أولا معرفة هذه البيئة التي ينشط فيها هذا الخطاب الديني ليتلقاه الناس بالقبول والاستجابة.
ومن معالم ترشيد الخطاب الديني :
التكوين المستمر للوسيط الديني بناء على حاجاته المعبر عنها وهذه تختلف باختلاف المستويات العلمية والمهارية .
تنمية روح الإبداع لدى “الوسيط الديني” .
تنويع الأداء في تأطير الجماعة .
استثمار الرقمنة ومواكبة مستجدات تكنولوجيا الإعلام والتواصل.
استثمار الصورة مع الالتزام بأخلاقيات التوظيف .
تبادل التجارب التقنية والتواصلية .
التكوينات التفاعلية وذلك بالتثقيف بالنظير بما يحمله من كفاءات ؛ الوسيط الديني القرين بحاجة إليها لظهور الحاجة .
فإن من مهمة العلماء رفع الحرج والعنت الديني عن الأمة وقتما اشتدت عليهم الغمة فسببت لهم القلق الديني ، فيما مهمة من على هدي ونهج العلماء بيان الضروري من الدين للجماعة التي يتقدمها إمامة وخطبة ووعظا وإرشادا وتأطيرا ولهذه الأغراض الروحية ؛ تتخذ كل جماعة إماما أو إماما خطيبا مؤهلا مأذونا في أن يواكب هذه الجماعة في دينها ويصحح تدينها ويثمنه متى استوى على عود الاعتدال والوسطية ويقومة متى اعوج وانعرج و يرافقهما مؤطرون دينيون.
فالخطاب الديني المستند إلى أسس الإخلاص والصلاح والتقوى والنموذج المؤصل على الهدي العلمي الصحيح لا شك أنه سيثمر .
فإن الخطاب الديني بحاجة إلى الإمام والواعظ والخطيب والمؤطر المثقف؛ المطلع على آخر المستجدات ؛مما له علاقة مباشرة بالتبليغ الديني ، المتفاعل مع جميع شرائح المجتمع ؛ فالطفل بحاجة إلى خطاب ديني يلائم مستواه المعرفي والعمري ويلبي احتياجاته الدينية والعاطفية ليغرس فيه القيم الدينية والوطنية والشباب بحاجة أكثر من الطفل إلى الخطاب الإقناعي ، الخطاب الحواري وقبله خطاب الإنصات والجميع بحاجة إلى الخطاب الديني الدامج .