«الفن جعل مني امرأة كريمة، كريمة في كل شيء.هو جزء كبير مني إن لم أقل أنه كلي،هو من يذكرني بالجانب المشرق من هذه الحياة،ويجعلني أقل شعورًا بالوحدة حتى عندما يتخلى عني من أحبهم.» (يسرا طارق)
بقلم : فوزية البوراحي
تألقها فاق حدود الإبداع، وحضورها سرق الأنوار مجسدا تميزها وعطائها الأنيق ومحققاً رقيا متميزاً يرسم للإبداع عنوان جمال وأناقة.
هي صاحبة ابتسامة أينما وجدت وارتحلت، وشخص وضع بصمته في كلامه.
يسرى طارق، إعلامية وممثلة وكاتبة روائية، تميزت بقدرتها الهائلة على المزج بين الإعلام والفن والأدب.
دخلت الأدب بعد تألقها في المجال الإعلامي كصحفية ومقدمة للأخبار والبرامج بالقناة الأمازيغية كبرنامج “نالت”أو”هي”، وفي مجال التمثيل كممثلة وضعت اسمها إلى جانب فنانين كبار.
رافقت جرأتها المعهودة، وأطلقت العنان لخيالها الواسع لينتج لنا مولوداً أدبيا روائيا عنونته ب “الواهمة”.
في البداية، حدثينا عن يسرا بعيدا عن أضواء الإعلام والفن؟
– رغم أنّي أجد صعوبة في الحديث عن نفسي، إلا أنه يمكن أن أقول عن نفسي أنني امرأة حالمة جدًا تبحث عن حب عظيم..أنا امرأة في المنتصف تمامًا من كل شيء..بسيطة جداً إلى درجة أنني عصية على الفهم.
يسرا كيف استطعت التوفيق بين الإعلام والفن والكتابة؟
– أنا محظوظة لأن الله أنعم عليّ بقوة داخلية أعجز عن تفسيرها، إرادتي القوية وثقتي المتينة بامكانياتي وبحدسي، هي من تسمح لهذا التعدد الفني بأن ينمو أكثر فأكثر في ذاتي،حياتي لم تكن سهلة..مررت بتجارب قاسية جدًا لا يمكنك أن تتصوري ولا أن تتخيلي مدى قسوتها وصعوبتها..شرعت قلبي بالحب والتقدير والعطاء للكثرين لكن لم أجني من ذلك سوى الظلم والخيبة، ورغم ذلك لم ولن أتغير..من الصعب عليّ كامرأة تصبو نحو التفرد والتميز وتقاتل كل الظروف الصعبة لتنعم بحقوقها الطبيعية وبحريتها وبرغبتها في إيجاد حب كبير تستحقه ويستحقها،أن تندمج في مجتمع لا يحتفي بالأفراد فما بالك بامرأة شغوفة وطموحة مثلي، طبعًا مع وجود استثناءات قليلة..ورغم ذلك استطعت ترويض نفسي على تقبل هذا الواقع، ونجحت في أن أجعل من ذاتي أرضًا خصبة ترفض أن تكون قاحلة، لتنمو وتزهر فيها أحلامي ومواهبي العديدة، وطاقتي الابداعية الهائلة التي لم أجد لها بعد المساحة الكافية لبروزها بالوجه الكافي الذي يليق بها.
إلى من يرجع الفضل وراء هذا التألق الإعلامي والفني والأدبي؟
-الفضل الأول والأخير يعود لأمي،إنها أعظم امرأة في حياتي..منحتني وإخوتي على قدم من المساواة قوة العاطفة والعقلانية والحب الصادق والعطاء بدون انتظار المقابل، وبالتالي قوة العيش في الحياة كمحاربة وناجية عوض العيش فيها كضحية خاضعة ومستسلمة، والدتي كانت الدافع القوي للوجود. كل ما أنا عليه اليوم يعود الفضل فيه إلى أمي، تربيتها لي كانت تطعيمًا ضد فيروسات القبح والرداءة والتفاهة..وضد أعراض المرض الحضاري في مجتمعنا الذي ينظر للمرأة الطموحة على أنها عاهرة أو نصف مجنونة.
في مجال التمثيل تركت أناقتك الإعلامية ، وكنت أول ممثلة ريفية تقوم بحلق شعرها كاملًا من أجل تأدية دور سينمائي، كيف كانت نظرة عائلتك وردة فعلهم خاصة بعد تأدية هذا الدور؟
-لا أنكر أنني وجدت صعوبة كبيرة في العودة إلى حياتي الطبيعية حليقة الرأس، وذلك بعد الانتهاء من التصوير، ليس لأنني امرأة فحسب، بل لأنني امرأة ولدت بروح حرة لا تقبل الإذعان لقيود المجتمع، وبسبب هذا المبدأ عانيت كثيرا من رفض المجتمع لي حليقة الرأس، وقد كنت أتعرض للسخرية والشتم من عامة الناس في الشارع لأنهم لم يتقبلوا مظهري خارج الإطار النمطي لصورة المرأة في أذهانهم.
ما آلمني فعلا هو أنني لم أستطع حتى زيارة أهلي في الريف نزولا عند طلب والدي الذي ترجاني ألا أزورهم حتى يطول شعري، كي لا أسبب له الإحراج مع عائلته ومحيطه، كما وصلت الجرأة ببعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي التعليق على صوري من الفيلم حليقة الرأس بنعوت من قبيل (الشيطانة، الكافرة، المسخ، العاهرة….) وغيرها من الأوصاف القدحية التي تعكس رفضهم التام لصورة المرأة خارج التصورات المألوفة التي اكتسبوها من المجتمعات التي ينتمون إليها.
هناك من يعتبر حلق شعرك في الفيلم مجرد هوس بالشهرة وغير ذلك،ما الرسالة التي وددت إيصالها من تلك الشخصية؟
-حلق شعري كاملا من أجل دوري في فيلم ” دقات القدر” كان اختيارا فكريا وجماليا، لذلك عشت هذه التجربة المتميزة بصدق شديد نابع من بؤرة الروح وسدة العمق بعيدا عن كل إثارة مجانية أو خلق ضجة من لا شيء، وهذا ما أعطى لظهوري حليقة الرأس في الفيلم بعدا جماليا متميزا ومتفردا. وتعلمت من هذه التجربة أن الأداء الصادق الذي يحترم ذكاء الجمهور يستحق العناء دائما.
محمد اليونسي مخرج مغربي، قام بإخراج أفلام عديدة فاقت 13 فيلما من بينها “دقات القدر” الذي ذكرناه سابقا وفيلم “الوشاح الأحمر”، وكنت أنت أيضا ممثلة فيهما، كما حصد جوائز بسبب نجاحها، قدمي كلمة لمحمد اليونسي كزوج وكمخرج سينمائي ؟
– أفضل أن أتحدث عن محمد اليونسي المخرج السينمائي، وأن أحتفظ برأيي فيه كزوج لنفسي، محمد اليونسي مخرج مبدع يتقن عمله، ويتناول أعماله بعمق جمالي وفكري، ويحمل رؤية ناضجة تمكنه من الإبداع، وهذا هو منطلقي في التعامل مع المخرجين، لذلك فحضوري كممثلة في أعمال المخرجين الآخرين نادر جدًا، لقد بدأت رحلة صداقتنا الفنية أنا والمخرج محمد اليونسي بفيلم “الوشاح الأحمر” الذي نال استحسان النقاد والمشاهدين داخل وخارج المغرب. وأعتقد أنه بفضل علاقتنا التي حاولنا أن نكسر فيها قواعد كل الصور النمطية عن العلاقة التي يمكن أن تجمع بين رجل وامرأة، والتي بفضلها كان العمل مثمرا جماليا مرة أخرى حين تعاونا معا في فيلم “دقات القدر”، ورغم أن القواسم المشتركة التي تجمعنا قليلة جدا، كما أن لكل منا مرجعياته الفنية والفكرية المفضلة، فإنه بفضل إدارة هذه الاختلافات، واستثمارها إيجابيا وفنيا، استطعنا أن نكمل بعضا بعضا على المستوى الانساني،وأن ينعكس ذلك على خياراتنا الفنية والإبداعية.
في المجال الأدبي والإبداعي ألفت رواية تحت عنوان “الواهمة”، كيف كانت تجربتك في الكتابة مع أول إصدار لك؟
– تظل تجربة طرح أول عمل إبداعي أو فني، تجربة فريدة ومميزة تبقى عالقة بذاكرة الكاتب أو الفنان مهما مضى عليه الوقت، ومهما طرح بعدها من أعمال..
بالنسبة لي فقد عشت هذه التجربة المهمة في مساري الفني بمتعة شديدة لم تخلو من بعض المعاناة والمحن والمشاكل..هذه التجربة ما هي إلا خطوة صغيرة ومتواضعة في طريق أدرك جيدًا أنه صعب وشاق وطويل..لكني أَشْحَذُ له روحي بالحب والصبر والتعلم والمقاومة كي أستطيع المشي فيه بضمير مرتاح.
من أين جاءت فكرة العنوان وهل يمكنك أن تتحدثي عنها؟
جاء العنوان كلمة مفردة في صيغة اسم الفاعل، ومعرفة بأل، مما يشي بخصوصية الشخصية الموصوفة بالوهم، والوهم تصور غير حقيقي، وخاطئ، وهو ما ستعيشه شخصية سوار الرئيسة في هذا العمل الروائي، طيلة الصفحات إلى أن تستيقظ مرعوبة على حقيقة وجودها فتتمرد عليه، وتخرج بذلك متحررة من سلطانه.تسلط رواية «الواهمة» الصادرة عن دار العين في مصر، الضوء على تاريخ مدينة الناظور وعلى قضايا اجتماعية وسياسية وحقوقية في ظل التحولات التي عاشها المغرب والمغاربة إبان انتفاضة يناير 1984.
وتدور أحداث الرواية حول شخصية «سوار» وهي شابة ريفية حرمها والدها من إتمام دراستها في الجامعة بعد حصولها على شهادة الباكالوريا، ومن تحقيق حلمها في أن تصبح طبيبة، لتبقى حبيسة البيت. وكان ملاذها الوحيد هو النافذة الزرقاء التي كانت تطل منها على العالم الخارجي، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي رأت فيه أحمد وهو أستاذ شقيقها صالح، فتعلق قلبها به كما تتعلق العلقة بالبويضة، وبدأت الرسائل الغرامية بينهما. ثم تتطور الأحداث شيئا فشيئا كي تستنتج أنها فقط استبدلت ظلم والدها بظلم زوجها باسم الحب لكي تتحرر، وأن المرأة لا يمكن أن تحصل على حريتها إلا إذا اعتمدت على نفسها بعيدا عن قيود السلطة الذكورية. وقد اشتغلت على تيمة المرأة الريفية تحديدا، لما اضطلعت به من دور مهم في تكوين الوعي المجتمعي لمنطقة الريف في هذه المرحلة التاريخية المهمة من التاريخ الحديث في بلادنا، حيث انخرطت في الاحتجاجات من أجل التغيير ومن أجل صنع مستقبل أفضل، ورغم ذلك لم تحظ باعتراف مجتمعها وتم تجاهلها في معظم المحطات التاريخية المهمة. ولأن المرأة الريفية كانت المحرك الأساسي لديناميكية تغيير مجتمعها والتحرر من أفكار المجتمع العقيمة التي لا تخدم تطورها الذاتي.
العمل ببساطة يلقي الضوء على جزء من تاريخ مدينة الناظور، هذا التاريخ الذي أعتبره تاريخا لجميع المغاربة،وعليه فطرح التاريخ عبر عمل أدبي فني لا يمكن أن يكون إلا مساهمة في محاولات تعريف شباب المغرب بتاريخهم.
ختاما إعلاميتنا المبدعة، مارسالتك لجمهورك،ولأي فتاة تود تحقيق حلمها والوصول لأهدافها في ظل عوائق تحول دون ذلك؟
-رسالتي لأي إنسان هي أن يحارب من أجل تحقيق أحلامه،وأن لا يسمح لليأس بالتسرب إلى أعماقه مهما ارتفع منسوبه من حوله، دورنا في هذه الحياة أن نحقق إنسانيتنا وأن ننتصر وننحاز لها دائمًا بحب وعقلانية وحكمة.