تنشغل مواقع التواصل الاجتماعي هذه الايام، وفي زمن الجائحة بكلام وتصريحات واقوال الاستاذ الجامعي محمد الفايد والفاعل الجمعوي احمد عصيد. وهو انشغال يلهينا ويصرفنا عن القضايا والانتظارات الكبرى التي تسائلنا جميعا كمغاربة, والمرتبطة ببناء تصور استراتيجي للنموذج التنموي، الذي يتزامن مع جائحة ” كرونا “، البعبع االذي يهدد الانسانية بشكل عام، والذي يفرض اعادة النظر في ترتيب الاولويات في المشاريع التنموية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذا مراجعة الكثير من التقديرات والرؤى ووجهات النظر…
في هذه الظرفية الدقيقة اذن، يهيمن لغو الحديث، حيث تختلط الشائعات والعوائد بالعلم والمعرفة ويمتزج المزاج والنظرة الضيقة والموقف الشخصي بالافتاء في بعض ثوابت الهوية الثقافية المغربية. كل هذا ادى الى تحريك جيوش من المؤيدين والمعارضين لهذا الطرف اوذاك لنجد انفسنا في خضم كلام توجهه وتتحكم فيه ايديولوجيتان يوحدهما منطق التفتيت والتشتيت والتفرقة والبلقنة في الوقت الذي نحتاج فيه، واكثر من اي وقت مضى، الى ترسيخ ثقافة التضامن والتكامل والوحدة، وهو ما لا يتأتى الا بسيادة حوار العلم والمعرفة بالقضايا التي عرت عوراتنا في زمن الجائحة من قبيل: دور الاسرة والمدرسة ومسؤوليتهما في التنشئة الاجتماعية على اعتبار ان ما نراه من انفلاتات وعدم انضباط للحجر الصحي يعود، طبعا، الى تخلف الوعي الاجتماعي للمواطن المغربي وهو ما تتحمل الاسرة والمدرسة مسؤوليته، بالاضافة الى قضايا المنظومة الصحية، وكذا الاختلالات التي تميز مؤسساتنا الحزبية والنقابية والجمعوية وصيغ وأفاق معالجتها الى غير ذلك من القضايا التي تستوجب الانتصار الى لغة العلم والمعرفة النافعين والمفيدين.
ولقد سبق لي ان اشرت في تدوينتي السابقة، الى انه في ازمنة اللبس والالتباس يلزمنا الاحتكام الى العلم والمعرفة والتاريخ والمشترك الثقافي. فلقد سبق ان حذرنا بعض رواد الفكر العربي المعاصر الى خطورة هيمنة الصراع الايديولوجي على الخطاب العربي الحديث والمعاصر على اعتبار انه شكل معيقا بارزا للولوج السليم للحداثة والاصلاح( وهو ، للاسف مالم تأخذه بعين الاعتبار الفعاليات السياسية والجمعوية والثقافية ايضا).
يقول محمد عابد الجابري: ” ان احد اسباب هزيمتنا الحضارية هو تغليب النقاش الايديولوجي الميت على النقاشات العلمية النافعة”.
و يقول عبد السلام حيمر:” اذا كانت الثقافة داخل المجتمع الواحد تجمع وتدمج وتوحد اكثر مما تفرق وتميز، فان الايديولوجيا داخل المجتمع نفسه تفرق وتعزل وتميز اكثر مما توحد وتصهر و تدمج”
هكذا وانطلاقا مما تقدم، وبربط الحاضر بالماضي، يتضح ان من اهم الدروس والعبر التي ينبغي الاستفادة منها في هذه المحنة الوطنية والانسانية هي ضرورة الانصات والانتصار الى لغة العلم والمعرفة، لغة العقل التي تنير دهاليز الظلام و تنقض الخرافة والاسطورة، وتتجاوز الخطابات الايديولوجية التي لا ترى في الآخر الا الوجه السلبي. فقد آن الاوان لصون المشترك الذي هو الوطن والدين والثقافة والانسان في اطار احترام خصوصيات الافراد والفئات في افق بناء المؤتلف المختلف الذي يعتبر الملاذ الآمن لمستقبل المجتمع البشري.
عبد الرحمان النوايتي
مكناس في 23 ابريل 2020