إن مفهوم “أفق” التوقع أو “أفق الانتظار” يحتل موقعا مركزيا في نظرية التلقي،وهو مفهوم جمالي يلعب دورا مؤثرا في عملية بناء العمل الفني والأدبي، وفي نوعية الاستقبال لذلك العمل من طرف المتلقي..
كان أول أفق انتظار لعموم المتلقي تلك الوصلات الإشهارية لمسلسل الغريبة إعلانا عن البرمجة الرمضانية بالقناة الثانية حيث بسط أمامنا الجينريك بصور من بعض مشاهد المسلسل والمؤدى من طرف المطربة والفنانة فاطمة لعروسي والذي قدم لنا الطاقم الفنية والتقني والتي تضم أسماء مبدعين توافقوا معنا في أكثر من مناسبة على الوفاء بشروط الفرجة، بدء من المنتج الفنان ذ. أحمد بوعروة وهو في نفس الوقت مؤلفا وسيناريست ومخرجا، لكن إيمانه بالعمل التكاملي أراد أن يلعب دور قائد الإنتاج الفني والتقني الحقيقي خارج المفهوم المتداول للإنتاج الذي حصره العموم في الجانب المادي، بهذه الرؤية فنحن أمام إنتاج مؤهل ليحقق لنا كمتلقين أفق انتظار يحترم كثيرا من الشروط، وقد رأينا هذا في التلقي الأول من خلال باقة الكاستينك، حيث اجتمع في هذا المسلسل ممثلين من العيار الثقيل على مستوى الأداء والتشخيص والأدرمة، فما أن ترى الكبار، نعيمة لمشرقي وعبد القادر مطاع، والمهدي الوزاني تتكون لديك آفاق عدة للانتظار وأنك أمام أداء تعلم أن الصدق والمهنية والإقناع هو الذي يقوده، كما نرى الفنان المقتدر هشام بهلول والفنانة المقتدرة فاطمة الزهراء بناصر وهما شحنة من العطاء والمهنية بصموها في كثير من الأعمال الدرامية التي تواصل معها الجمهور، من الأكيد أن أفق انتظار المتلقي سيتحضر عمق فرجتهم وصدق الأحاسيس التي نقلت لهم بأمانة من طرف هؤلاء الممثلين الجادين والصادقين في نفس الآن، وضمنهم مجموعة هامة من الأسماء الفنية البارزة التي سنتعرف عليها في باقي الحلقات.
كقارئ ذكي أو قل مطلع على مسار النقد الفني، أرى مثل هذا الجمع بين هذه التجارب والأجيال هي مغامرة تشبه رهان ذلك المايستروا الذي تتجمع أمامه مجموعة من الموسيقيين والفنانين لكل منهم آلته التي يتقنها وضمنهم صاحب الإيقاع الذي ينطقه نغما وهناك أصوات الكورال، ومسؤولية المايستروا أن يضع تصميما لمعزوفته وأن يصنع من هذه الإمكانيات عزفا موحدا ومنسجما ومتناغما ومتحاورا وإن كان لكل آلة صوتها وخصوصيتها، وأن لا يحصل النشاز وهذا ما تحقق لي شخصيا وفق ما بناه لنا أفق انتظاري الجمعي، فعلا لقد استجاب مسلسل الغريبة في حلقتيه الافتتاحيتين لمطلب أفق الانتظار، وخلق آفاق انتظارات أخرى، إذ كانت الحلقة الأولى تقديمية لخيوط المسلسل من جانب أسرة مع الأم فاطمة وبناتها وأزواجهم بقيادة نعيمة لمشرقي، ذاك الحضن الدافئ والمأزوم، وأسرة عمر بقيادة هشام بهلول ومحيطه وأسرته، تم الخيط الدرامي للدكتورة سعاد الهواري مع فاطمة الزهراء بناصر وصديقتها الحميمة باعتبارها تعويض الأسري يحارب الغربة النفسية والواقعية، مع شخصية سعاد نجد أنفسنا أمام كفاءة نسائية علمية وأمام خيط درامي رابط بين خيوط أخرى بدأ المسلسل يقترب منها وقد خلق لنا فضول التتبع يقود أفق انتظارنا الذي من الأكيد أنه سيصاحبنا طيلة حلقات المسلسل حينما تلتقي الخيوط التي بدأت تحيك معنا فرجة وألفة وإقناعا مهدته مهنية وصدقية أهل مسلسل “الغريبة”، مسلسل الأسرة والقيم والمبادئ..