بقلم : عشار أسامة
تعتبر جماعة عين تيزغة التابعة لنفود إقليم بنسليمان ، من بين أغنى الجماعات بالمغرب ، بكون أن جل مداخيلها تستمدها من المقالع التي تنتشر على جل أو بعض الدوائر الجماعة.
لكن رغم هذه المداخيل فقد توقفت بوصلة هذه الجماعة القروية ، و صارت بدون هوية، تنتشلها من أيدي العبث، التي أحكمت قبضتها على كل مناحي الحياة، متحكمة بذلك في مساحة شاسعة، و حولت حياة سكانها إلى جحيم لا يطاق حيث كل مظاهر التهميش و التفقير و التجويع بادية على دواويرها، بفعل عقليات مسؤولين ، بجراح التجاوزات القانونية و تدبير الشأن المحلي، بطرق كلها غاية في العشوائية و تغليب المصلحة الشخصية، ضدا على شعارات جوفاء تتطلع إلى التنمية و الإقلاع نحو الأفضل.
بهذه الجماعة، شكل الإحساس عند البعض بعدم المتابعة و المحاسبة درعا واقيا لرؤوس الفتنة” و فسح المجال لكثير من الظواهر و الممارسات المشبوهة، و سهل إنتاج مجموعة من التجاوزات
التي أشاعت منطقة الاغتناء و الانتهازية و المحسوبية، كثقافة محلية بشتى الطرق و الوسائل، فكان من ذلك بزوغ عدة ظواهر و سلوكيات اجتماعية خطيرة تمارس بالعلن، و بمباركة من الأطراف المسؤولة التي تراقب عمليات التبذير و الاستنزاف المالي، دون أن تكون لها القدرة على تحريك
أن تزور دواوير هذه الجماعة بداية بمركز العيون الذي يشتكي سكانه من غياب أبسط شروط العيش و هو الحمام في سكوت تام للمجلس الذي يحمل المسؤولية للمجلس السابق و للخبرة التي أجريت عليه ، و قس على ذلك عدة دواوير لا تتوفر على الماء الصالح للشرب و تعتمد فقط على شاحنات المياه أو على “سقايات” أو عدادات مشتركة ، بالإضافة إلى عدة دواوير إذا تجولت فيها فقد تحسب نفسك أنك في عهد السبعينات فقد تتقزز نفسك من منظر منطقة تعرف الإهمال و النسيان، و تتألم لمنظر شباب يجر ذيول اليأس في طرقات تنتظر من يرق قلبه لحالها، و يستر عوراتها المكشوفة.
و أن تقوم بجولة قصيرة بين دواوير هذه الجماعة عين لقصب و لكدية و لسيام و مركزها المهمل، شيء كاف لتقرر أن تعود أدراجك، و تدعو لهؤلاء المهمشين، أن يزورهم يوما ما، و لي من أولياء الأمور، لعله يكتشف أن ما يستنكره هؤلاء و يعانون منه، ليس وهما تخيلوه، أو إفكا افتروه، و إنما مرارة يعيشونها كل يوم، و أنهم يطالبون بأبسط شروط العيش، و لا يريدون جماعة فاضلة، و لا يتمنون أن تتحول جماعتهم إلى”باريس” و تتلخص كل مظاهر الفوضى في الفقر و البؤس، و غياب اهتمام المسؤولين، الذي يعكسه حال مركز العيون و الطرقات المتصدعة، و انعدام التهيئة، و تصدع الموجود من بعض شبه الادارات، و القمامة في كل ناحية، و كأن المنطقة خارج مجال التغطية.
بحيث يشعر شباب جماعة عين تيزعة ، بأنهم و أهاليهم يعاملون معاملة تمييزية، فيها كثير من التهميش و الإجحاف من طرف المسؤولين، و تجذرت في نفوسهم مع الوقت، قناعات سلبية خطيرة.
فهناك أمثلة بالجملة عن مظاهر الحرمان و التمييز التي يعانون منها في كل شيء، فطرقهم ترابية و مدارسهم مهترئة، و بيوتهم متصدعة، و دواويرهم مظلمة، و النقل قليل، و شبابهم يقتله الفراغ و الضياع، و تتلقفه الانحرافات، في ظل غياب أي مرفق أو مرافقة تحتويهم وتد تفتح لهم آفاقا لولوج العصرنة و ترقية مداركهم.
و هذه الأوجه من المعاناة و الإحساس بالغبن تلعب كثيرا على معنويات الشباب، و تنمي في نفوسهم إحساسا متجذرا بالإهمال المقصود لهم، و تدفع بالضعاف منهم نحو هاوية التطرف بكل أبعاده و معانيه، رغم و قوعها على الطريق الرئيسي، إلّا أن البعض يجهل وجودها على الخارطة الجغرافية و كأنها غير موجودة على أرض الواقع ، خاصة في ظل تهميشها، حيث لا تزال تفتقر إلى العديد من الخدمات الضرورية و الأساسية
و من أجل إعلان بقائها وصمودها، لا تزال دواوير جماعة عين تيزغة تعيش على أنفاس الجماعات المجاورة رغم الظروف الصعبة التي يكابدها الأهالي، خاصة و أن للحياة هنالك طعم آخر مغموس بالقهر و الحرمان.
الحياة في دواويرها، معنونة بالحرمان خاصة في ظل افتقار الجماعة لأبسط الخدمات رغم استطاعتها تبليط الطريق بالذهب ، و التي تكاد تكون معدومة من جميع النواحي، التعليمية و الصحية وغير ذلك.
فعين تيزغة.. مقبرة منسية !!!
يتغير كل شيء، و لا تتغير الجماعة مند عهود مضت، التي تبقى ضحية لسياسة الإهمال و التهميش و اللامبالاة المفروضة عليها، مما جعل الجماعة تعاني مشاكل هيكلية متعددة رغم توفرها على مؤهلات مهمة، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي، فجميع دواوير هذه الجماعة تعيش التهميش و النسيان و الإقصاء، بسبب تقاعس المسؤولين القائمين على تدبير الشأن المحلي.
فبعض الساكنة ، أعلنوا عن سخطهم و غضبهم اتجاه المنتخبين، بسبب دوامة التهميش و الإقصاء الذي تتخبط فيها منطقتهم، فبالرغم من مؤهلاتها البشرية و الفلاحية و موقعها الإستراتيجي، فلا زالت لم تشهد بعد تنمية حقيقية، و ظلت عرضة للتهميش و الإقصاء.
و هناك عدة عوامل ساهمت في ذلك منها ضعف أداء المجلس المنتخب الذي لم يكن في مستوى تطلعات الساكنة بحيث ، يفتقر إلى استراتيجية تنموية هادفة، تخرج الجماعة من براثن التخلف والتهميش، دون اهتمامهم بالأوضاع الاجتماعية التي تعيشها الساكنة، إضافة إلى تعطيل عملية تنفيذ برامج تنموية، مما حول معه الجماعة برمتها إلى حلبة للصراع الجانبي غير المجدي.
و أمام الوضعية الكارثية الراهنة التي تعيشها المنطقة ، أصبحت تتطلب تدخلا فوريا و مستعجلا من أجل إعادة بناء الجماعة بشكل عقلاني و منظم لفك العزلة عنها، مما حول المنطقة إلى مقبرة منسية، كما يحب السكان تسميتها، الذين يتحدثون عن جماعتهم بمضاضة، و يتساءلون عن الأسباب التي جعلت منطقتهم منسية.
هذا هو إذن حال جماعة عين تيزغة التي كتب عليها أن تعيش معاقة و محرومة من أدنى شروط العيش السليم، كما كتب أيضا على شبابها أن يعيشوا حياة كئيبة، و مستقبلا غامضا بسبب جفاء مسؤوليهم .