اعلان
اعلان
مقالات الرأي

التعليم عن بعد بين إكراهات الواقع ورهان التحدي

اعلان
اعلان

يعيش العالم ظروفا استثنائية عصيبة بسبب جائحة كورونا المستجد (كوفيد 19)، حيث أغلقت العديد من المؤسسات التعليمية والجامعات، للابتعاد عن بؤر استفحال هذا الوباء. وحسب احصائيات منظمة اليونسكو فقد حرم أزيد من ثمانين بالمائة من المتعلمين والطلبة من إغلاق كلي للمدارس والجامعات.
ولضمان استمرارية التعليم، وتتبع البرنامج الدراسي، قدمت وزارة التربية الوطنية العديد من الموارد الرقمية عن طريق التعليم عن بعد، ببثها لمجموعة من الدروس في القنوات التلفازية الرسمية، كذا تم تجنيد المدرس نفسه لمتابعة متعلميه عبر إنشاء مجموعات في مواقع مختلفة للتواصل السيبرنطيقي، ليتمكن التلميذ أو الطالب من مواصلة برنامجه الدراسي بطريقة أو بأخرى، مع الاعتماد الجزئي على المدرس الذي لم يعد محور العملية التعليمية التعلمية كما كان في الدروس الحضورية، بل اقتصر دوره على التوجيه والإرشاد. وجعل في الجهة المقابلة المسؤولية تقع على عاتق أولياء الأمور حيث أجبروا على تهيئ الظروف لوصول أبنائهم للمعلومة بتوفيرهم الموارد التعليمية سواء كانت عبر الكرة الزجاجية أو البث الفضائي.
وهنا يطرح السؤال الإشكالي: ما مدى تعويض التعليم عن بعد الدروس الحضورية في ظل الواقع الرقمي الذي تعيشه بلادنا من جهة. وعدم تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب كافة من جهة أخرى؟
استمرار المناهج الدراسية عن بعد ضرورة ملحة لا مندوحة لنا عنها، ولكن في الجهة المقابلة يفرز تفاوتا طبقيا بين المتعلمين، الذين يملكون الوسائل التكنولوجية لمتابعة الدروس، ونظرائهم من الطبقة الفقيرة الذين يفتقرون لأبسط هذه الوسائل، وأدناها الهاتف الذكي للتمكن من تتبع البرنامج الدراسي الذي يبث عبر تطبيق “واتساب” الذي يستخدمه أغلب الأساتذة.
وبالرغم أن وزارة التربية الوطنية قررت للتلاميذ والطلبة إمكانية الولوج إلى جميع المواقع والمنصات المتعلقة بالتعليم والتكوين عن بعد، باستثناء قناة “يوتيوب”، فإن هذا الاستثناء يطرح إشكالا كبيرا، ويحد من جدوى مجانية الولوج إلى المنصات.
فمثلا التلميذ حين يدخل إلى منصة “تلميذ تيس”، التي تضع فيها الوزارة الدروس، فإن الملفات التي يستطيع الولوج إليها مجانا هي الملفات المكتوبة، بينما أغلب الدروس هي عبارة عن فيديوهات، لكن التلميذ لا يستطيع الاطلاع عليها، لأن ولوجها مرتبط بـقناة “يوتيوب”، وبالتالي يوجب عليه أن يكون له اشتراك بالشبكة العنكبوتية. وهنا نعد الى نقطة الصفر. وهذا في أفضل الأحوال ، لأننا نجد أسرا مغربية تملك هاتفا واحدا ولا يفي بحاجيات ربطه بالكرة الزجاجية، وإن كان يفي بهذا الغرض، فتعبئته بعشرة دراهم أو عشرين لن يشبع ظمأ ستة أبناء يرغبون في استكمال منهاجهم الدراسي في نفس التوقيت أو في فترات متقاربة. وهنا يظهر الوجه المظلم للطوق الصحي وهو كثرة النزاعات والمشاحنات بين الإخوة، بالإضافة إلى العجز الكلي للأباء على توفير هاتف ذكي لكل فرد من أفراد الأسرة. مما يجعلهم يقعون في حيص بيص. هذا من جانب المتعلم أما من جانب الأستاذ فالدروس المقدمة في إطار “التعليم عن بعد” يتم الاشتغال فيها بإمكانياته الذاتية، سواء تعلق الأمر بتوفير الحواسيب أو الهواتف أو شبكة الأنترنت أو كاميرات التصوير…كل هذه التضحيات تذهب سدى مع مهب الريح ،لإيصاله مردودية هزيلة للدرس ،وذلك في غياب محور العملية التعليمية التعلمية وهو التعليم التفاعلي المباشر والذي يعد من أهم السبل ،التي تسهم في زيادة المعرفة والكفاءة العلمية والفكرية وتطوير المهارات لدى المتعلمين في المجالات العلمية المختلفة، وتشجيع المشاركة والاستعانة بالأسئلة العلمية المتنوعة التي تسهم في تحفيز الاستجابة والتغذية الراجعة والتطوير لسبل النقاش العلمي والعملي بين المتعلمين.
وفي السياق ذاته حتى في حال متابعة التلاميذ للدروس عبر تطبيق واتساب، الذي يعتمده أغلب الأساتذة فيتم الاصطدام بكثرة الأجوبة المقدمة عن طريق الرسائل الصوتية الخليطة بين إلقاء التحية ، وبين سؤال قد قدم من قبل من طرف الأستاذ وسؤال حالي لمحاولته خلق جو من التفاعل الافتراضي، مما يجعل التفاعل يغيب ليترك المكان للافتراضي، ليصبح الهاتف الذكي في بعض الأحيان عاجزا أو يدخل في عالم الغباء لإتمام هذا الدرس المقدم من هذا النوع من التعليم، لأنه يرسخ مذهب الطبقية ويغيب مبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع.
أخيرا وليس آخرا، الدراسة عن بُعد اختيار مُميز لفئة معينة من المجتمع لمن يعرفون كيف يستغلون مميزاتها. والتي تمكنهم من طرق أبواب جامعات ومعاهد ومجالات عدة ، لا يستطيع الوصول إليها بالشكل التقليدي.

اعلان

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى