بقلم : عاطف الطاساوي الغيواني
وأنا قادم من الملعب فرح منتش بتأهل الاتحاد للمربع الذهبي فكرت في سماع تحاليل المذياع لأطلع عن وقع ما فعله فريق طاله النسيان حتى الآن وتساءلت كيف و لماذا يستمر كل هذا التهميش من قناة تسمى ”الرياضية” والرياضة قبل كل شيء أخلاق ونبل ولماذا تستثنيه دون غيره من النقل المباشر وتذكرت ماضي الشاشة الجميل ولو باللون الأبيض والأسود أيام كانت الشاشة تخطب ود الطاس ”ريال المغرب ” لتمتع المشاهدين الرياضيين الشغوفين بالفرجة..فتحت المذياع وشرعت أبحث عن المحطات الرياضية فوجدتني دون قصد في محطة دينية يتلو فيها مقرئ بصوت شجي قصة يوسف عليه السلام فأتممتها حتى الآخر كانت تستهويني ولا زالت فاسترجعت من خلال القصة القرآنية الجليلة ذكريات فريق هو أيضا كان عزيز قوم ذل وكان كذلك ضحية الغيرة والحسد والطمع . كان له جمهور عريض يعشقه و يتمتع بالفرجة التي كان يقدمها على عشب الملاعب كان جميلا هو أيضا بحركاته وسكناته و ببياضه ومحاسنه .
وذات يوم مشؤوم قاد الجهل إخوته إلى التفكير في انتزاعه من أبيه غصبا بالتدليس و الكذب وتحريض الحاسدين ، يوم كانت الرئاسة تتم بتصويت لاعبي فرق كرة القدم الإحدى عشر تماما مثل عدد إخوة يوسف عليه السلام.. وحدث ما حدث وبقي الأب ببكي فراق ابنه وقد سماه ” اتحاد ” خوفا من شماتة الفرقة وإيمانا بقوة الاتحاد بكاه حتى جف الدمع و بقي مكلوما معتلا يترجى عودة الضائع الغائب مرة يتراءى له أن الذئاب الجائعة بحثت عنه في كل مكان تريد نهش لحمه وعظامه ومرات يمني النفس بعودة ” اتحاد ” ابنه المحبوب سالما معافى وبين الخوف والتمني مات المسكين حسرة على غدر الزمان ولوعة في فقدان العزيز ” اتحاد ” وحزنت ساكنة الحي المحمدي برمتها على المصاب الجلل وأقسم جمهوره أن يتبع خطى الولد الضائع ” اتحاد ” ويتبناه بعد موت الأب قرر أن يبحث عنه في الأسواق والمداشر إلى أن يعود معافى كما كان فتبناه غائبا وفتش عنه في كل مكان لكنه كان كل مرة يجد شبيها له في اللون و المظهر فقط فتزداد حسرته و علته ويكبر وفاؤه أما ” اتحاد ” فقد رماه عبث الإخوة الأعداء في جب الهواية المظلم أملا في التخلص منه وكانت الذئاب تشتم رائحة البشر وتطوف بالمكان طمعا في نهش جسده الهزيل ولكن عمق البئر حال دون ذلك..وبقي هناك سبع سنوات يقتات من جفاف العواطف وجفاء القلوب إلى أن جاء الخلاص من عند الله على يد فرسان مروا بجانب الجب وسمعوا أنينه فقرروا انتشاله من هذا الجب المظلم وانبهروا بجماله وإن عبث به الإهمال والضعف والمعاناة من ظلم الأقارب وشظف العيش واعتنوا به كثيرا .كانوا نعم الفرسان ! فرسان النجاح يعرفون قيمة الخيل والانسان وألبسوه لباسا اختاره أبيض كما كان يحلو له و أصبح منهم يشركونه في كل شيء في الشاذة والفادة وانتبهوا لما يتوفر عنه من ذوق و رجاحة عقل وفروسية فقطعوا الطريق سويا وتعاونوا معا على تجاوز عقبات السفر وقطاع الطرق إلى أن تراءى لهم من بعيد قصر جميل شامخ وقرروا الوصول إليه رغم كل العراقيل و مهما كلفهم الثمن.. وبعد عناء ليس باليسير وصلوا الباب ففتحه العسس في وجههم مرحبين بالشهامة و الفروسية كانت حيطانه الأربعة من ذهب واسمه قصر المربع الذهبي .. وجد ” اتحاد ” نفسه معززا مكرما وحزن كثيرا لما سمع بموت أبيه الحقيقي و ما انتاب أباه الذي تبناه من حزن وعلة ومع ذلك بقي وفيا له رغم كل الاحباطات و أراد أن يكافئهم على الوفاء والعرفان ويمسح دموع الحزن التي طال مقامها ففكر أن يكافئ جمهوره الحبيب الذي استسلم مشعل الحب والوفاء من الأب وأصبح أباه بالتبني فقرر أن يستدعيهم للحفل البهيج و يرسل قميصه الأبيض يطوف على كل أرجاء الحي ليدرك جمهوره الحزين أنه لا زال على قيد الحياة وعمت الفرحة والزغاريد كل الأرجاء وأقبلوا فرادى وجماعات ليشاهدوا الجمال والانبهار الذي تعودوه يوم كان ” اتحاد ” طفلا مدللا محبوبا لدى الجميع أما هو فقد استقبلهم بالحب والورد في قصره الذهبي و لم يكثرت بكيد الكائدين فقد ورث من أبيه الصبر و السلوان أما قنوات التلفزة فستأتي للحفل مرغمة صاغرة وبدون استدعاء وسيكون ” اتحاد ” كعادته من الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس..!