اعلان
اعلان
مقالات الرأي

ثورة جديدة للملك والشعب

اعلان

في 10 غشت 1952 وسعت سلطات الحماية الفرنسية من دائرة الاعتقالات، التي استهدفت رجالات المقاومة، وعملت على نفي العائلة الملكية خارج التراب الوطني يوم 20 غشت 1953، وتحديدا إلى جزيرة كورسيكا ثم بعد ذلك إلى جزيرة مدغشقر، فانطلقت سلسلة من الاحتجاجات والإضرابات بمختلف ربوع المملكة، استشهد خلالها المقاوم علال بن عبد الله يوم 11 شتنبر 1953، والمقاوم محمد الزرقطوني يوم18 يونيو 1954، والعديد من المقاومين وأعضاء جيش التحرير، هذه المرحلة، من عهد الحماية، أبان فيها الملك الراحل محمد الخامس والشعب، عن الوحدة والتلاحم، وعن نضالية قوية، شكلت منعطفا مهما وتاريخيا في مسلسل الكفاح الوطني، خرجت بموجبه بلادنا إلى مرحلة ما بعد الحماية، إنها ملحمة ثورة ملك وشعب.
محطات ومناسبات تاريخية أخرى، جد مهمة، سجل فيها التلاحم الوثيق بين الملك والشعب، تلاحم حول قضايا الوطن الكبرى، تلاحم يستند على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي، تتجدد بموجبه ملحمة ثورة الملك والشعب.
مرة أخرى، سيسجل تاريخ المغرب، كما تؤكد ذلك كل التعبيرات الصادرة عن المواطنات والمواطنين عبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، أنها محطة تاريخية، عمادها تلاحم وثيق بين الملك والشعب.
لقد ساهم الإشراف المباشر للملك شخصيا على كل المبادرات الاستباقية والوقائية والحمائية التي اتخذتها بلادنا للحد من تفشي فيروس كرونا ـ كوفيد 19، ومركزة القرار بشكل يجعله قيادة فاعلة لحلحلة الأزمة التي تمر منها بلادنا، في نسج خيوط هذا التلاحم، والتي انطلقت باستجلاء الطلبة المغاربة العالقين بووهان الصينية، بشكل استباقي، والإحداث الفوري للصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورنا ـ كوفيد 19، وطلب فتوى من المجلس العملي الأعلى لدرء الضرر الفادح الناجم عن الوباء الذي يجتاح العالم، وترؤس الاجتماعات المتعلقة بتتبع تدبير انتشاره، وتعليق الرحلات الجوية والبحرية من وإلى أرض الوطن، وتكليف الطب العسكري للقيام بمهمة مكافحة الوباء بشكل مشترك مع الطب المدني، والعناية بالمصابين بهذا الوباء، وغيرها من المبادرات الملكية السامية.
كما أن عمل الحكومة، التي سارعت بدورها إلى تنفيذ التوجيهات الملكية، وقامت بجملة من الإجراءات المرتبطة بتوفير الحماية الصحية، ومنح التكليف المباشر لوزير الصحة قصد اللجوء إلى التفاوض المباشر بشأن اقتناء المعدات والتجهيزات الطبية دون اللجوء إلى اعتماد المساطر المعمول بها في الصفقات العمومية، وتفعيل الصندوق الخاص بتدبير هذه الجائحة، وتوزيع الدعم على المأجورين المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في شهر فبراير 2020، المتوقفين عن العمل من طرف مقاولة في وضعية صعبة، وكذا المقاولات التي توجد في وضعية صعبة، ثم المأجورين غير المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) والذين يشتغلون في القطاع غير المهيكل والعديد من الأسر الفقيرة والهشة المسجلين في نظام التغطية الصحية راميد برسم شهر دجنبر 2019، في كسب التعاطف الشعبي.
والبرلمان بدوره تفاعل إيجابا مع هذه التوجيهات، وسارعت اللجنتان المكلفتان بالمالية في البرلمان إلى عقد اجتماعهما يوم الأربعاء 18 مارس 2020 من أجل تقديم مشروع مرسوم بإحداث الحساب المرصد لأمور خصوصية يحمل إسم الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورنا ـ كوفيد 19، بالرغم من أن المجلس الحكومي انعقد يوم 16 مارس 2020، أي قبل إخبار ذات اللجنتين. كما سارعت اللجنتان المكلفتان بالداخلية في البرلمان إلى عقد اجتماع اللجنة يوم الإثنين 23 مارس 2020 من أجل دراسة مشروع مرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، والذي نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2020، في وقت كانت الحكومة قد أعلنت قبل 20 مارس 2020 ودون وجود أي إطار قانوني عن حالة الطوارئ الصحية، وتعامل معها الجميع، أغلبية ومعارضة، بروح التوافق والإجماع الذي يتم في كل المحطات المرتبطة بالمصلحة العليا للبلاد، وكان أعضاء البرلمان أول المتنازلين عن تعويضاتهم للمساهمة في الصندوق الخاص بتدبير هذه الجائحة، وهي المبادرة التي عممت مؤسساتيا لتشمل العديد من المؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية.
بدورهم سارع المواطنات والمواطنين إلى المساهمة في الصندوق المذكور، تعبيرا منهم عن قيم التضامن والتآزر التي تجسد حقيقة التماسك الاجتماعي الذي يمتاز به المجتمع المغربي، وانطلق العمل الميداني على المستوى المحلي، اصبحت بموجبه مهن متعددة في الواجهة، من سلطات محلية وأمنية وعسكرية، والأطر الطبية والصحية والتعليمية، ومستخدمي الإنعاش الوطني واليد العاملة المؤقتة بالجماعات، وهيئات سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية، وسائقي شاحنات نقل مواد التموين والتجار والبقالين وغيرهم.
هذه الخطوات لقيت ترحيبا واسعا من عموم المواطنات والمواطنين، وأعلنوا عن مساهمتهم في إنجاح كل المبادرات التي تقوم بها السلطات العمومية من أجل الحد من تفشي هذه الجائحة، وإشادتهم بما تقوم به مختلف المؤسسات، في ظرفية يحس فيها الجميع، أن بلادنا أصبحت تعترف حقيقة بالمواطنات والمواطنين وبمسؤولية الدولة تجاههم، لما اهتمت بالإنسان قبل الاقتصاد، عكس ما مضى من سياسات حكومية لم تعمل إلا على تعميم قمع ممارسة الحقوق والحريات، والتستر على الفساد.
إن تفعيل الدور الحمائي للدولة، هو أساس هذا التلاحم الجديد، والثقة التي حظيت بها المؤسسات في الوقت الراهن، حيث هناك تلاحم تام بين الملك والشعب، وإشادة كاملة بكل ما تقوم به المؤسسات، بل تجاوز الأمر ذلك، إلى الدفاع عن نساء ورجال السلطة والأمن وغيرهم من أصحاب المهن الموجودة في الواجهة الأمامية خلال هذه الظروف الحرجة. والاقتناع بعدم قدرتها عن مواجهة هذه الأزمة خارج نطاق التضامن بين مكونات المجتمع، أفرادا ومؤسسات، سيما أن بلادنا تعتبر من بين الدول النامية، والتي لا تتوفر على منظومة صحية تمكنها من مواجهة هذه الجائحة.
هذا التلاحم، دفع بالمواطنات والمواطنين، إلى التفاعل الإيجابي، ودون تردد، مع الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية بشأن الحجر الصحي، والترحيب بمنع التنقل بين المدن، كما طالبوا بتنزيل القانون في حق كل من يخالفها، حماية للمصلحة الصحية العليا للبلاد.
إنها ملحمة جديدة، جسدها الملك والشعب، وحظيت بإشادة دولية، إلى حد وصفها بالعلاج الحقيقي لفيروس كورنا ـ كوفيد 19، إنها وصفة الوعي المغربي، والذي نحن في حاجة إلى استمرارها بعد هذه الأزمة، حتى نتمكن من وقف مختلف أشكال الفساد، ودعم وتكريس هذه الثقة في المؤسسات وضمان استمرارها، والاستجابة للتطلعات المجتمعية المتعلقة بالحق في العيش الكريم والعادل والمنصف.

اعلان

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى