اعلان
اعلان
مقالات الرأي

تصريح الوزير وهبي، هل هو ردة حقوقية؟

اعلان

بقلم عبدالواحد الحسناوي


تعتبر الرقابة على الأعمال الإدارية و المالية العمومية، إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها الدول الديمقراطية، وتزداد أهميتها في تدعيم أسس الدولة الحديثة، عندما تمارس مؤسسة الرقابة مهامها الرقابية بشكل مستقل، بعيدة عن أي تبعية لأي سلطة: تشريعية أو تنفيذية أو قضائية.

اعلان

وفي مراجعة لمسار الدول المتقدمة، كفرنسا والسويد وإسبانيا التي خاضت معارك ونضالات بين الشعب والملوك المتحكمين في جميع أجهزة ودواليب الدولة، نجد أن النضالات المتتالية في تاريخ هذه الدول، كانت مرحلة فارقة بين عصر الاستبداد والتحكم، وبين عصر الانعتاق والحرية وممارسة الحقوق كاملة غير منقوصة، وبالتالي عصر ضمان حقوق الإنسان والتأسيس لآليات استمرارية المكاسب عبرهيئات مدنية أو مؤسساتية.

وعلى سبيل المثال نجد بلد السويد الذي أعطى نموذجا حقيقيا لرعاية الحقوق والحريات عبر مؤسسة الأمبودسمان أو المفوض البرلماني، حيث يراقب هذا الأخير أعمال الإدارة وحماية حريات الأفراد وكل ما يتعلق بالسجون ومؤسسات الأطفال والمسنين والمعاقين،عبر مكتبه الأول، وعبر مكتبه الثاني الشؤون المتعلقة بالرقابة على أعمال المحاكم ورجال الشرطة والأمن وأعمال الإدارة، عبر التدخل من تلقاء نفسه أو عبر شكاوى المواطنين وبإجراء تفتيش دوري على المؤسسات الإدارية.

أما على مستوى القضاء فيضطلع بمراقبة أعمل القضاة ومدى التزامهم بمهامهم، من خلال الشكاوى أو ما ينشر في الصحف، علاوة على مراقبته للأجهزة العسكرة ومدى احترامها للقوانين والأنظمة المتعلقة بالجيش ومراقبة الإدارة العسكرية وأجهزة الرقابة الداخلية العسكرية.

اعلان

نموذج آخر لا يقل أهمية عن مثيله في السويد، ويتعلق الأمر بمؤسسة المدافع عن الشعب الإسباني وقد ارتبطت بالانتقال الديموقراطي إبان خروج إسبانيا من عهد الديكتاتورية إلى عهد البناء الديموقراطي سنة 1978، وتتمتع المؤسسة باستقلال عن السلطة التنفيذية والقضائية وتتولى مهمة الدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور عبر التدخل المباشر والتلقائي، وإجراء بحوث حول سلوكات وتصرفات وقرارات الإدارة في علاقتها مع المواطنين، علاوة على تدخله بناء على عرائض وشكايات المواطنين لكشف الفساد.

أما على المستوى الكوني، فقد تم إقرار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من طرف الجمعية العامة، والذي يضطلع بمهمة تحويل الحقوق التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى التزامات دولية، وحتى تكتسي طابعها التنفيذي والإلزامي، فقد حماها القانون الدولي بآليات قانونية ذات طابع مدني وأخرى ذات طابع جنائي، من جهة، كما تم تأسيس منظمات حقوقية تضطلع بمهمة إعداد التقارير على مستوى الخروقات التي تطال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من جهة ثانية.

وفي الوقت الذي يحذو المغرب حذو البلدان المتقدمة عبر التأسيس للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان من خلال التوقيع على المواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الثنائية بينه وبين دول أخرى، وعبر دستور المملكة، الذي وضع الهياكل الأساسية لبناء المغرب الجديد، والتي تتجسد في مهمة الرقابة على قانون السنة المالية، وأعمال الحكومة التي تضطلع بها المؤسسة البرلمانية، وفي تخويل بعض هيئات المجتمع المدني مهمة مراقبة المال العام كالجمعية المغربية لحماية المال العام والجمعية المغربية لحقوق المستهلك والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وفي مدى احترام السلطة التنفيذية لحقوق الإنسان، فإن مجموعة من النواقص لا زالت تعتري هذا المجال من قبيل:

على مستوى المؤسسة البرلمانية، فرغم دورها الرقابي على أعمال الحكومة، ما يمكنها نظريا من ممارسة المهام الموكولة لها من طرف الدستور والقوانين التنظيمية، فإن الواقع يبين مدى هشاشة هذه المهمة لاعتبارين اثنين:

أولاهما يتجسد في كون تشكيلة المجلس المكون من أغلبية ومعارضة وطريقة التصويت على الملفات الحساسة مثل قانون مالية السنة كنموذج من بين نماذج أخرى، والذي يعتبر مرتكزا ضامنا لأهم الحقوق الأساسية، تجعل من دور المعارضة صوريا لكون الحكومة الموكول لها إعداد الميزانية محاطة ومصونة بمكونات الأغلبية البرلمانية التي تصوت لصالح أي مشروع، مما يفرغ المعارضة من محتواها.

ما يزيد من هشاشة الرقابة البرلمانية، المدة الزمنية القصيرة جدا التي يناقش فيها قانون المالية ومدى تمكن البرلمانيين من مناقشته في جوانبه التشريعية والتقنية.

ثانيهما يتجسد في الصلاحيات الموكولة لرئيس الحكومة الذي خول له القانون تمرير جزء من قانون المالية عبر مرسوم فتح الاعتمادات في الحالة التي يصوت البرلمان ضد قانون المالية وهذا ما لم يحدث في تاريخ المغرب إلا ناذرا.
على مستوى الرقابة الموكولة لهيئات المجتمع المدني، فإن دور أغلبها يبقى استشاريا، لا يرقى لمستوى تحريك الدعاوى القضائية، ضد أي فساد مالي أو إداري.

إلا أن ما يثير الاستغراب، أنه في ظل تنامي الجرائم المالية والفساد الإداري، ما يدعو لتقوية وتعزيز المكتسبات الحقوقية والمسار الديموقراطي للمغرب، فقد ذهب الوزير وهبي إلى تصريح خطير أمام مجلس المستشارين حيث تحدث عن تجاوزات بعض جمعيات حماية المال العام في علاقتها بالمنتخبين ومنعها من رفع شكايات ضد المنتخبين والشخصيات بشأن اختلاس المال العام، موضحا أن تعديلا في قانون المسطرة الجنائية سينص على أن وزير الداخلية هو من له صلاحية وضع شكايات لدى القضاء الواقف بشأن اختلاس المال العام وليس الجمعيات.

أمام هذا التصريح، هل تكون المملكة أمام ردة حقوقية خطيرة، خصوصا في ظل حكومة أتت في وضع مفصلي في تاريخ المغرب، يتجسد في تنزيل الأوراش الكبرى من قبيل تنزيل النموذج التنموي الجديد وملف الحماية الاجتماعية والأمن الغذائي الاستراتيجي والدولة الاجتماعية؟

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى