
في خضم التحولات الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي يعيشها المغرب، برز القرار الملكي الأخير بشأن عيد الأضحى كتدبير يحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز الظرفية، ليلامس بنية القيم والأنماط السلوكية التي أضحت تطبع المجتمع المغربي في علاقته بالواجبات الدينية والمجتمعية الى منحنيات غير اعتيادية .
لقد جاء القرار، من حيث منطوقه، لحماية القطيع الوطني وتنظيم القطاع المرتبط به، و بل وتغيير الجهاز الوصي كذلك في محاولة لمواجهة تداعيات الجفاف، ومخاطر الذبح السري، والممارسات العشوائية التي تهدد سلامة المستهلك. لكنه، من حيث دلالاته الرمزية، يعكس محاولة لإعادة ترتيب الأولويات بين المقتضى الديني وروح التشريع من جهة، والضغط الاجتماعي والاقتصادي الذي بات يثقل كاهل الأسر المغربية من جهة أخرى.
لكن هل اصبح الذبح فعلا رمزيا للطمأنينة؟؟!!!
إذا كان ذبح الأضحية في أصله شعيرة تعبّدية تهدف إلى التعبير عن التقوى والتضحية، فقد تحوّل في المخيال الاجتماعي إلى مسرحية إثبات اجتماعي، حيث يُذبح فيها ما تبقى من توازن نفسي واقتصادي لدى العديد من الأسر. والنتيجة: تزايد معدلات الاستدانة، وانفجار أزمات أسرية، وتفكك روابط، بل وجرائم تنجم أحيانًا عن ضغوط موسمية لا ترحم.
إننا إزاء انفصام خطير بين جوهر الشعيرة وممارستها، بين القصد التعبدي وروح الرياء الاجتماعي، حيث تحوّلت الأضحية من قربان روحي إلى “قربان اجتماعي” يُقدَّم على مذبح الاستعراض، وسط مناخ احتكاري متوحش، يكرّس منظومة من التواطؤات الصامتة، بين الفاعل الاقتصادي غير المُراقَب، والمستهلك الخاضع، المقهور حينًا، والمتواطئ أحيانًا.
هل بات التحايل الجماعي مرضا اجتماعيا عابرا للطبقات؟؟!!
ما نعيشه اليوم من تحايل جماعي، حيث يُلبِس البعض نفقات العيد لباس مناسبات أخرى كالعقيقة أو الختان أو الوفاء بنذر مزعوم، ليس مجرد ممارسات فردية معزولة، بل هو تجلٍّ لبنية ذهنية ترى في “التحايل” شكلاً من أشكال الانتصار على النظام العام.
وهنا يظهر عمق الأزمة: ليس في القدرة الشرائية فحسب، بل في ضبابية البوصلة القيمية، حيث يُفضَّل الزيف على الوضوح، والتضحية بالمبادئ على مجابهة الواقع بصدق.
ماهي أبعاد المسؤولية بين الدولة والمجتمع؟!
لا شك أن السلطات معنية بتفعيل آليات الضبط والمراقبة، لمواجهة الاحتكار، وضمان عدالة السوق، وتوفير شروط الكرامة الاجتماعية. ولكن، لا يمكن تعليق كل الأزمات على شماعة الدولة. فالمجتمع نفسه مسؤول: فردًا، وجماعة، ونخبة. مسؤول عن ثقافة العيب والحرج، عن الإذعان الجماعي لمظاهر التباهي، عن تغذية هواجس “ما سيقوله الناس” أكثر من الانصات لنداء الضمير والدين والعقل.
في قلب العيد: سؤال وجودي!
وهنا نبلغ جوهر الأزمة: لسنا أمام أزمة مناسبة موسمية، بل أمام أزمة وجودية أعمق. كيف نفهم الدين؟ كيف نعيش القيم؟ ماذا يعني أن نكون مجتمعًا مسلمًا في زمن الاستهلاك والانقسام؟ وهل يستطيع الإنسان أن يكون حرًّا فعلاً في ظل سيطرة الجماعة على سلوكياته، وفرض الطقوس على حساب الضرورات؟
إن المأمول من القرار الملكي ألا يُفهم فقط كمبادرة لحماية الثروة الحيوانية، بل كمحطة للتفكر الجماعي في إعادة ترتيب علاقتنا بالدين، بالاقتصاد، بالذات، وبالآخر.
فالعيد الحقيقي ليس في اقتناء الأضحية، بل في تحرير الإنسان من أضحية الزيف والتكلف.
بقلم #مونية-فتحي 🖋