أمام تواصل حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد يكافح المغرب كباقي دول العالم لتخفيف من تأثيرات الفيروس علي الصحة العامة وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية، أصبح من الواضح وبصورة متزايدة أن الاستجابة الفعالة للجائحة تستلزم تطبيق مبادئ الحكامة الجيدة ونهجا يشمل الحكومة والمجتمع بأسره.
ويتطلب هدا الوضع مجهودا تعاونيا يعتمد على قدرات وموارد الجهات الحكومية خاصة ومن أهمها الجماعات الترابية بحكم قربها المباشر من المواطنين والساكنة الذين لعبو دورا مهما في التصدي لهذا الوباء.
ونظرا للأهمية التي يكتسيها دور وأهمية مجالس الجماعات الترابية في فترة الطوارئ الصحية وفي مكافحة أو في تخفيف من اجتياح هذا الوباء ربوع المملكة وقبل التطرق إلى صلاحيات تدخلات الجماعات الترابية المسموح لها بما يكفل القانون . سنعمل على تبيان الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية والمشتركة بينها وبين الدولة والأخرى المنقولة إليها من طرف الدولة.
بناءا على الفصول 135 و136 و140 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011. فإن الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، وهي أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية، إذ يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونها، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة للجماعات الترابية وبناءا على مبدأ التفريع اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة.
كما تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها. فطبقا لمقتضيات القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، تناط بالجماعة داخل دائرتها الترابية مهام تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين باعتبارها أقرب وحدة ترابية للسكان، وتتولي ممارسة اختصاصات ذاتية، واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة، ومن بين أهم هذه الاختصاصات التي عملت الجماعات الترابية علي تقديمها بشكل جيد وأفضل خلال مرحلة الطوارئ الصحية لهذه الجائحة تتمثل في توزيع الماء والكهرباء، من خلال الحرص على تزويد الساكنة بهذه المادة الحيوية خصوصا ولحاجتهم إلي توفرها بشكل دائم وشامل لكل السكان دون انقطاع خاصة في هذه الفترة الحرجة لضرورة الناس في التنظيف والاستحمام بشكل متكرر ويومي .
وكتدبير في هذا الخصوص، فقد حرصت الجماعات الترابية بالعمل علي تعقيم وتنظيف جميع الفضاءات العمومية الواقعة في دائرة النفوذ الترابي للجماعة، بما فيها الشوارع والأزقة وأسواق الجملة وأسواق القرب والأسواق الأسبوعية، وكل المرافق التابعة لها والطرقات وتعقيم وسائل النقل العمومي وغيره والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها إلى المطارح، فقد تم الحرص علي أن تتم هذه العملية بشكل متواتر تفاديا لانتشار الفيروس
أما بالنسبة لنقل الأموات والدفن، وكتدبير وقائي للحماية من العدوى بالفيروس وانتقاله فإن الأشخاص المتوفون بسبب الفيروس يتم إخضاعهم لإجراءات خاصة في عمليات الدفن، ولذلك فقد تولت الجماعات الترابية عملية نقلهم ودفنهم، بإشراف من مكتب حفظ الصحة علي هذا الأمر، وهذا من شأنه ضمان عدم انتشار الفيروس، وحماية أسر الضحايا.
اما في ما يخص الجماعات التي تفتقر إلي الموارد المالية، وطبقا للفصل 146 من الدستور وخاصة البند التاسع منه وفي اطار التعاضد بين الجماعات فيتم إسناد بعض الاختصاصات لمجالس العمالات والأقاليم طبقا للشروط المنصوص عليها في المادة 84 من القانون التنظيمي للجماعات، والمادة 6 من القانون التنظيمي لمجالس العمالات والأقاليم ، وعلى مستوي الاختصاصات المشتركة والتي تمارس بين الجماعة والدولة بشكل تعاقدي بناءا علي المادة 87 من القانون التنظيمي لجماعات، فإنه يتم إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعة .
كما من مسؤوليات الجماعات أن تساهم في صيانة المستوصفات الصحية الواقعة في النفوذ الترابي للجماعة. والي جانب مجموعة من الاختصاصات التي تقوم بممارستها الجماعات، فالقانون التنظيمي 113.14 يخول لرؤساء مجالس الجماعات صلاحيات الشرطة الإدارية في ميادين الوقاية الصحية والنظافة السكنية العمومية وسلامة المرور، وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية بواسطة تدابير شرطة فردية تتمثل في الإذن أو الأمر أو المنع.
اهم هذه الصلاحيات التي يجب على رؤساء مجالس الجماعات العمل عليها و تفعيلها على أكمل وجه و بصورة شاملة في هذه الفترة من حالة الطوارئ لمواجهة جائحة كورونا، هي اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض الوبائية الخطيرة، وذلك بناءا علي القوانين والأنظمة المعمول بها، والسهر على نظافة مجاري المياه والماء الصالح للشرب وضمان حماية مراقبة نقط الماء المخصصة للاستهلاك العمومي ومياه السباحة، وكذا المساهمة في مراقبة جودة الموارد الغذائية والمشروبات والتوابل المعروضة للبيع أو للاستهلاك العمومي، والسهر أيضا على احترام الضوابط المتعلقة بسلامة الصحية ونظافة المحلات المفتوحة للعموم خاصة المطاعم والمقاهي وقاعات الألعاب والمشاهد والمسارح وأماكن السباحة، وكل الأماكن الأخرى المفتوحة للعموم، وتحديد مواقيت فتحها وإغلاقها، واتخاذ التدابير الرامية إلي ضمان سلامة المرور في الطرق العمومية وتنظيفها وإنارتها.
كما يجب السهر كذلك على احترام شروط نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي، وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها. وتنظيم الأنشطة التجارية والحرفية والصناعية غير المنظمة والتي من شأنها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة العمومية أو تضر بالبيئة والمساهمة في مراقبتها، بالإضافة إلى تتبع ومراقبة محلات بيع العقاقير والبقالة ومحلات الحلاقة وبيع العطور، وبصورة عامة كل الأماكن التي يمكن أن تصنع أو تخزن أو تباع فيها مواد خطيرة، واتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من الحريق والأفات والفيضانات وجميع الكوارث العمومية الأخرى، ممارسة شرطة الجنائز والمقابر واتخاذ الإجراءات اللازمة المستعجلة لدفن الأشخاص المتوفين بالشكل اللائق، وتنظيم المرفق العمومي لنقل الأموات ومراقبة عملية الدفن واستخراج الجثث من القبور طبقا للكيفيات المقررة في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل والسعر ايضا الي جانب السلطة المحلية علي حملات التوعية والارشاد بضرورة التزام المواطنين بقواعد السلامة الصحية .
وبناءا على ما سبق فإن الصلاحيات أو الاختصاصات التي خولها المشرع للجماعات الترابية يمكن تطبيقها في مرحلة الطوارئ الصحية بالمغرب لتصدي لهذه الجائحة، مما يجعلها تلعب دورا كبيرا في الحد من انتشار هذا الوباء وحماية الساكنة التابعة لدائرة نفوذها، كما أن قربها وعملها المباشر مع المواطنين يسهل ويخفف من أثار هذا الوباء ويجعله محاصرا بالتعاون والتنسيق المباشر مع السلطات العمومية وباقي جهات المملكة. عملا بمرسوم حالة الطوارئ الصحية الذي ينص في المادة الثالثة على أن يتخذ ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم بموجب الصلاحيات المخولة لهم طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية، جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في حالة الطوارئ المعلنة.
كما يجب على الجماعات الترابية إلى جانب هذه الاختصاصات، العمل على تقريب الإدارة من المواطن بشكل يجعلها في متناولهم من خلال تفعيل الإدارة الرقمية وتعميمها وتطويرها بجميع مصالحها، وتقديم الدعم المادي والمعنوي إلي المتأثرين والمتضررين من هذه الجائحة بتنسيق وتحت إشراف السلطة المحلية وتوفير كل المعدات الطبية وأدوات التعقيم وتوفير سيارات الإسعاف والمساعدة في بناء المستشفيات الميدانية بتعاون مع السلطة المحلية.
وفي الختام يمكن القول على أن المجهودات التي تقدمها الجماعات الترابية وباقي الجهات الي جانب السلطة العمومية، لا تكفي لمواجهة جائحة كورونا مما يستلزم علي جميع المؤسسات والمجتمع المدني فردا فردا أن يكونوا واعين بضرورة التعاون والتضامن وروح المواطنة والمسؤولية والتزام بكل تعليمات الأمن الصحي والسلامة الصحية حتي نتجاوز هذه المحنة.