ملحوظة: ترددت في كتابة هذا الموضوع بسبب التزامات دراسية وعائلية شغلتني هذه الأيام ولكن وقع المحظور وانهارت منازل وسقطت أرواح عزيزة عند الله في منطقة عزيزة إلى قلبي هي درب مولاي الشريف التي كان لي فيها منذ الصغر أصدقاء دراسة دخلت بيوتهم وشاركتهم لحظات جميلة رغم أنني لم أكن من أهل الحي.. فقررت إكماله ونشره باستعجال لعله يساهم في لفت الانتباه إلى معاناة مواطنين صارت حياتهم مهددة. هل ما زال في المسؤولين ذرة إنسانية لإيجاد حل لهذه النقط السوداء في الطرق ولهذه المنازل الآيلة للسقوط. في المناسبة ذكرى لمن كان له قلب وإلا فلا حياة لمن قست قلوبهم فصاروا يرون في معاناة الناس ملفات فقط.
فيضانات الدار البيضاء وسؤال المسؤولية 1/2
غرقت الدار البيضاء في فيضانات ألحقت أضرارا بالساكنة والممتلكات وعرقلت السير الطبيعي للمدينة وعمقت معاناة البيضاويين وفضحت حقيقة الشعارات التي رفعت طيلة سنين.
لقد ألف البيضاويون هذه المعاناة كلما حل فصل الشتاء وهطلت الأمطار، ولكن معاناة هذا العام تضاعفت بحكم جائحة كوفيد 19 وحالة الطوارئ الصحية.
كم هو منظر محزن ذلك المنظر الذي يلاحظه المشاهد لمواطنين في انتظار الحافلات تحت المطر وبدون واقيات، وحين تأتي الحافلات يتكدسون دون احترام التباعد، وهي الحافلات التي تحمل عبارة “حافلة مؤقتة” وتستعمل منذ مدة ليست بالقصيرة في إشارة إلى تأبيد المؤقت. هذه وحدها تطرح سؤال المسؤولية على من أنجز هذه الصفقة؟ ولماذا تأخرت هذه الحافلات؟ ولماذا لا يوفر للبيضاويين حافلات بالعدد الكافي الذي يستلزمه التناسب بين عدد المستعملين ومراعاة التباعد الجسدي كإجراء وقائي؟ من يتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا التأخر والتقاعس؟
أما منظر البرك المائية فلم تسلم منه منطقة في المدينة وإن كانت أضرارها متفاوتة من منطقة على أخرى. وأخطر ما يتوقع، لا قدر الله، هو تهاوي بنايات آيلة للسقوط في الأحياء القديمة للمدينة مع استحضار عدد الأسر القاطنة بها.
تتعدد الجهات المسؤولة عن هذه الكارثة، ويمكن ترتيب المسؤوليات على الشكل التالي:
1- مجلس المدينة: يتحمل هذا المجلس مسؤولية أساسية باعتباره الشخص الاعتباري المنتخب الذي يمثل الساكنة والمسؤول عن التعبير عن آمالها وآلامها، وباعتباره الجهة المفوِّضة. والقانون التنظيمي رقم 113.14 واضح في ذلك، وخاصة م 83 التي تنص على مسؤولية الجماعة في إحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية لتقديم خدمات القرب في ميادين مذكورة حصرا وضمنها “التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة، وتنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها إلى المطارح ومعالجتها وتثمينها”. وتفويض هذا الاختصاص لا يعفي المجلس المنتخب من المسؤولية، ومن الخطأ التحلل منها وترك المواطنين عرضة لابتزاز الشركة المفوض لأن المواطنين صوتوا على هذا المجلس ليمثلهم وليس ليتخلى عنهم في هذه اللحظات بمبرر عقد التفويض. وبعيدا عن أي مزايدة سياسية، فإن المسؤولية تقع على كل مكونات المجلس، أغلبية ومعارضة، لأن للمعارضة دور تنبيهي وهي ملزمة بتوضيح ما قامت به للتنبيه إلى هذا المشكل المتوقع من مراسلات ومجهودات، وخصوصا أن المجلس ملزم بعقد ثلاث دورات إجبارية، وضمنها دورة أكتوبر (م33).
2- شركات التنمية المحلية: وخصوصا شركة الدار البيضاء للتهيئة Casa Aménagement التي تتولى تنزيل مشاريع الجماعة في مجال اختصاصها، دون أن ينقص ذلك من مسؤولية مجلس المدينة لأنه هو صاحب قرار إنشائها ومن يتولى مراقبتها والمساهم في رأسمالها. والمادة 130 و131 من القانون السالف الذكر واضحة في هذا الباب. ومسؤولية الشركة جلية بحكم التهاون والتقاعس في إنجاز الكثير من المشاريع، وإعطاء أولوية لمشاريع غير ذات أولوية مقارنة مع أخرى، وخير مثال ما يشاهده البيضاويون منذ سنين من تغيير أرصفة trottoirs الطرقات في أحياء ما تزال الأرصفة جيدة مع أن هناك قضايا تحتاج باستعجال للمعالجة، ومنها المجاري وشبكة الواد الحار و…
3- شركة ليديك (المفوض لها): وهي شركة ملزمة بتقديم توضيحات حول التدابير الاستباقية التي اتخذتها للتصدي للأمطار المتوقعة مسبقا لأن نشرة من مديرية الأرصاد توقعت هذه التساقطات مما يجعل الحدث لا يندرج في دائرة “الحادث الفجائي” أو “الحادث غير المتوقع”. ومرة أخرى، فمسؤولية مجلس المدينة قائمة لأن التفويض لا يعفيه من المسؤولية ويلزمه بحماية مصالح البيضاويين تجاه الشركة، وخاصة ما يتعلق بالتعويض عن الأضرار. وأحكام المحاكم الإدارية تنصف المتضررين ومنها حكم المحكمة الإدارية بالرباط (حكم رقم 251 بتاريخ 23 يناير 2014 في ملف عدد 807/12/2010) ينص على أن “الأمطار الغزيرة والاستثنائية المسبية للفيضان لا تشكل قوة قاهرة وإنما قرينة على ترتب المسؤولية، لكون وقوعها في فصل الشتاء من الأمور المتوقعة وليست قوة قاهرة أو سببا أجنبيا للإعفاء من المسؤولية، الشيء الذي تتحمل معه الدولة التعويض مع تشطير مسؤولية الحادث مع الأطراف المتسببة”.
إن مسؤولية المجلس المنتخب استعجالية لاتخاذ قرار تاريخي بالبحث عن طرق لإيقاف هذا العقد الذي تورطت فيه المدينة منذ عقود نتيجة ملابسات صارت اليوم متجاوزة.
4- سلطة الرقابة المتمثلة في وزارة الداخلية: إن مسؤولية المجلس المنتخب لا توازيها إلا مسؤولية والي الدا البيضاء باعتباره ممثل وزارة الداخلية التي تمارس الرقابة، الوصاية حسب المصطلح القديم، على الجماعات الترابية. والجميع يعلم دور الولاة والعمال المحوري الذي يجعلهم قاطرة العمل في المدينة في ظل هيمنة وزارة الداخلية وضعف المجالس المنتخبة وتوصيات الرسالة الملكية في موضوع التدابير اللامتمركز للاستثمار في عهد عبد الرحمن اليوسفي، والأمر يزداد هيمنة في ظل حالة الطوارئ الصحية التي قلصت هامش عمل المجالس المنتخبة، وكذا في ظل البروفايلات التي صارت تشترط في الولاة.
إن هناك إلزامية استعجالية لتصدر ولاية الدار البيضاء تقريرا استعجاليا يتضمن الخطوات الاستباقية لتفادي هذه الكارثة التي غرقت فيها المدينة وعطلت سيرها وأضرت بمصالح ساكنتها ويعقد بشأنه الوالي ورئيس مجلس المدينة ورئيس مجلس الجهة لقاء مباشرا مع البيضاويين لتفسير أسباب هذه الكارثة التي لا تدخل في خانة “غير المتوقع” أو “القوة القاهرة” وترتيب المسؤوليات عن التقصير مع ما يستتبع ذلك من جزاءات عقابية.
أقف عند هذا الحد في هذا الجزء تجنبا للإطالة على أمل أن أخصص الجزء الثاني لمسؤولية الحكومة والبرلمان.