لعل أهم اختصاص تمارسه المحكمة الدستورية، يتمحور حول مطابقة النصوص التشريعية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان وبعض المؤسسات الدستورية وكذا الالتزامات الدولية للدستور، وهذه المراقبة القبلية تكون الزامية متى تعلق الامر بالقوانين التنظيمية التي تحال إلى المحكمة الدستورية بعد مصادقة البرلمان عليها وقبل إصدار الأمر بتنفيذها اضافة الى الأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الدستورية، إذ تحال الأنظمة الداخلية، لكل من مجلس النواب، ومجلس المستشارين، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجالس المنظمة بقانون تنظيمي، إلى المحكمة الدستورية قبل الشروع في تطبيقها.
واذا كان الفصل 85 من الدستور لا يجيز اصدار الامر بتنفيذ القوانين التنظيمية الا بعد ان تصرح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور ، فانه طبقا للمادة 25 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية تقوم هذه الاخيرة فور احالة القوانين التنظيمية والانظمة الداخلية للمجالس والالتزامات الدولية اليها بإبلاغ الملك ورئيس الحكومة ورئيسي البرلمان ، ولرئيس الحكومة ورئيسي البرلمان بمجلسيه واعضاء المجلسين ان يدلوا الى المحكمة الدستورية بما يبدو لهم من ملاحظات كتابية في شأن القضية المعروضة عليها
وبما ان القاسم الانتخابي المثير للجدل لاعتماده على اساس عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية بدل المصوتين ، سيكون محل ملاحظات كتابية اثناء عرض القانون التنظيمي على المحكمة الدستورية كما نصت على ذلك المادة 25 ،وتبت هذه المحكمة في مطابقته للدستور داخل اجل ثلاثين يوما ، فهل ستقدم هذه الملاحظات من طرف رئيس الحكومة الذي انفرطت اغلبيته بتصويت الاحزاب المكونة للاغلبية على تعديلات تهم القاسم الانتخابي على اساس المسجلين ؟ أم يقدمها اعضاء البرلمان من حزب العدالة والتنمية الذين طالب بعضهم بتفعيل الفصل 103 من الدستورالمتعلق بطلب تجديد الثقة في الحكومة والذي لم يستجب له رئيسها الذي عاين عن مضض انفراط عقد اغلبيته .
لكن وبما ان الجدل مستمر ،والنقاش محتدم حول مدى مخالفة القاسم الانتخابي للدستور بخصوص اعتماده على اساس المسجلين بدل المصوتين واعتبار ذلك مخلا بالوسائل الديموقراطية ، فإن السؤال المطروح يتمحور حول وجود نص صريح يمكن المحكمة الدستورية من التصريح بعدم مطابقته للدستور ، علما ان القضاء الدستوري أقرعلى سبيل المثال التمييز الايجابي رغم مخالفته للمنطق الانتخابي ، وفي غياب نص قانوني صريح فان الرهان يبقى غير مجد وغير منتج ، الاكثر من ذلك فان الفصل السابع من الدستور بعيد عن تكريس القطبية الثنائية التي تدخل البلاد في صراع مرير مع اقصاء بين لباقي المكونات السياسية او تغول الحزب الوحيد ، بل ينص على التعددية الحزبية والتناوب ولا يعطي الشرعية لنظام الحزب الوحيد والارتهان له
وفي هذا الصدد اكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس تمسكه وصيانته لمبدأ التعددية الحزبية في البلاد خلال افتتاح السنة التشريعية سنة 2016 ، في اعقاب النقاش الرافض للقطبية الحزبية وافراز صناديق الاقتراع اكتساح وتصدر وفوز حزبين بأغلبية الاصوات
وبغض النظر عن المد الديموقراطي المتحدث عنه والشعارات الرنانة فإن التجربة اثبتت ممارسات حزبية مصلحية تصبو الى المناصب والمواقع الوازنة و الاستمرار في مواقع محددة سلفا تعيد انتاج ما سبق بدل تخليق الحياة السياسية وكسب رهان تأهيل المشهد السياسي ومواجهة التحديات التنموية والارتقاء بالعمل السياسي والممارسة الديموقراطية الوطنية الحقة.