كوفيد 19 أو الموت الأسود في وقتنا الحالي، الجائحة التي ارتج لها العالم، واهتزت من خلالها دول المعمور كافة. هذا المخلوق الصغير الذي لا يرى بالعين المجردة، أعاد حسابات الناس مع حالهم أرادوا ذلك أم أبوا.
إنه الوباء الذي بين للإنسان أنه سيعيش حروبا بيولوجية فيما بعد، أنزل جبابرة العالم إلى الحضيض بعدما العاالكون في رمش العين.
كورونا، الجميل فيه عزة نفسه العالية، فهو لا يطرق بابك، ولكن أنت الذي تبحث عنه، بالإضافة أنه مخلوق صغير عادل ،بين للإنسان عامة أنه لا فرق بين الثري والفقير في الداء، كما منحك الوقت للتعبد والتخشع، ولم أفراد الأسرة جميعا بعدما كانوا تائهين في مشاغل الحياة الدنيا.
ولكن لنعد إلى تاريخ الأمة الإسلامية، ونسلط الضوء على أهم الأوبئة التي واجهت الناس، فنجد وباء عمواس القاتل للألاف من المسلمين، من بينهم العديد من صحابة النبي(ص)، وقد نشأ في الشام لينتشر فيما بعد فيها ونسب إليها.
وقد كشف المؤرخون أن الفاروق تعامل مع هذا الوباء بحذر شديد، حيث لم يدخل إلى بلاد الشام وأخرج المعافين منها وتحمل المسؤولية كاملة تجاه هذا الوباء.
أيضا الإجراءات التي قام بها “عمرو بن العاص’ للتصدي للوباء الفتاك في الشام مثيلة بالطوق الصحي الذي يقوم به العالم اليوم، بعدما كان الإسلام سباقا إليه، فأخذ بمبدأ ونصيحة عمر بن الخطاب، بالخروج بالمسلمين إلى الجبال، لأنه لا ينتشر هناك وخاطبهم قائلا:” إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتحصنوا منه في الجبال” وبتلك الطريقة تم القضاء على هذا الوباء وذلك أخذا بأسباب الوقاية والقضاء عليه. أيضا هناك وباء الكوليرا وقد ظهر أول مرة في روسيا سنة 1817 وتسبب في وفاة مليون شخص، وكان السبب الرئيس فيه اختلاط مياه الشرب مع فضلات الإنسان. لينتشر بعد ذلك في اسيا وأروبا وبريطانيا والصين واليابان وافريقيا واندونيسيا وأمريكا… ليعود مرة أخرى لدولة اليمن الذي مزقته الحرب في تفشّ للمرض على مستوى غير مسبوق سنة 2017. بدأ ذلك في أبريل وسرعان ما انتشر ليصيب مئات آلاف الناس. وبحلول يونيو بلغ الوباء ذروته، كانت أطقم أطباء بلا حدود تستقبل أسبوعياً أكثر من 11,000 مريض في مراكز علاج الكوليرا المنتشرة في أنحاء البلاد، علماً أن الفرق عالجت بالإجمال خلال العام أكثر من 100,000 شخص في 37 مركزاً لعلاج الكوليرا، ونقطة صحية لتعويض السوائل عن طريق الفم.
فتم تقديم الرعاية المنقذة للحياة وخدمات المياه والصرف الصحي لضمان مياه نظيفة، غير أن اللقاحات لم تكن متوفرة لتنفيذ حملات تحصين عاجلة ضد الكوليرا في المناطق التي يستقر فيها المرض، وتم الاستخلاص أن التحصين يعد مكوناً أساسياً فاعلاً في الاستجابة لتفشي الجائحة.
الحجر الصحي، الطوق الصحي، العزل الطوعي كلمات لها الدلالة نفسها ، إجراء قديم تم اللجوء إليه لمنع انتشار الأوبئة كالطاعون والكوليرا والحمى الصفراء…
ولكن يبقى الإشكال مطروحا: ما العبرة المأخوذة من الأوبئة عامة، ومن كوفيد 19 خاصة؟
يعد هذا الفيروس فاجعة عالمية، لم تترك أي أمة ولا دولة، لا يميز بين جنس أو عرق أو لون أو معتقد، وهو اختبار لكل واحد منا، لترك ”الذات الأنا” الاعتقاد الزائف بالاستغناء عن الأخر، والعودة إلى مبادئ ديننا الحنيف والتي تحث على التآزر والتضامن وعدم الشماتة بآلام الأخرين، إنه الوحش الكاسر الذي يجبرك على إيقاظ الضمير الإنساني، والخروج من أسطورة استمرار وديمومة الظروف المواتية.
وباء كورونا فرصة ليس له مثيل للاستيقاظ من الوهم التائه، واستنبات فضائل التواضع، والاعتراف بمحدوديتنا كانسان، وترسيخ أعظم القيم النبيلة التي من بها الله سبحانه وتعالى مخلوقه ،وهي قيم التعاضد والتشارك الجماعي والتكافل في إيجاد الحلول، والابتعاد عن التأله والأنانية.
هذا الفيروس الذي حير وزلزل علماء الكون هو امتحان للضمير الإنساني، في علاقته مع ربه، في حاجته لبناء طواقم طبية لمواجهة فيروسات محتملة مستقبلا.
ويبقى السؤال المؤرق: ما درجة إيقاظ وتحذير هذا الوباء للضمير الإنساني، بعدما يسدل الستار على مسرحية واقعية أبطالها دول المعمور كافة، ويبشر بانقضاء ليل قد عسعس؟