ذ /محمد أ كعبور
باحث في الخطاب والإعلام الديني
الحمد لله القائل في الكتاب “وذكرهم بأيام الله” والشكر له على توفيق أولي الألباب للصد والعمل على إغلاق الباب في وجه من تعرض للدين والوطن بالكيد والسِّباب وأشهد أن سيدنا محمدا رسولُ الله أفضلُ من أخذ بالأسباب صلى الله عليه وعلى آله وعلى الأصحاب.
استحضارا للذكريات والأمجاد التي صنعها الأسياد من الآباء والأجداد وورثها عنهم الأحفاد لمواجهة الأحقاد على ما أبرم من عقود تنفيذا للعهود بحماية الوطن والدين والحدود .
في ظل حكم السلطان المكافح ضد المستعمر ؛ الملكِ المنافح عن الشعب والوطن والعرش حمايةً للبلاد من الاستغلال البشع وضمانا لاستقلال العباد ؛ عقيدةً وفكرا وسلوكا وتعبدا وارتباطا بالعرش العلوي المجيد الراعي لشؤون الدين والسياسة على المنهج النبوي .
يأتي هذا العرض في هذا السياق ؛ وهو الاحتفال بالأمجاد بما الله به علينا جاد ، وتذكيراً بالحدث وهو 18يونيو الذي يصادف “اليوم الوطني للمقاوم” في ذكراه 67/2021.
ويعتبر بحق سيدِي محمدِ بنِ يوسف ؛ سلطانَ المقاومة وبطلَ التحرير بما واجهه بمختلِف الأساليب من التغرير بما أعده من جميل التقرير.
كان أقومَ سبيل له الجهادُ الرامي إلى الإصلاح والتغيير من أجل الحرية والاستقلال ومواجهة صور الاستغلال ؛ من أجل البناء والاشتغال والقضاء على الاحتلال بما أوتيه من قيم وصفاتٍ ومبادئَ وأخلاقٍ ، ألزم نفسَه عهد الله على ألاَّ يترك هذا الأمر ورجالٌ حوله ؛ رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .
هم رجال الحركة الوطنية : وما صدقوا الله عليه ؛ هو حماية الدين والعرش والوطن والشعب بالوفاء للفداء كما جد السلطان المفدىَّ؛ المصطفى صلى الله عليه وسلم حين بُعثت إليه الوفود من أجل التخلي عما الله باعثا إياه ، لكنه فضَّل التحلي بالصبر والعزيمة والإصرار نصرةً للدين والمستضعفين وإحقاقا للحق والحق أحق أن يتبع .
“الآن صرت ملكا لهذا الشعب حقا “.
جملةُ الثبات على الموقف والمبدأ لنصرة القضية الوطنية والدينية ؛ جملة غيرت مجرى تاريخ المقاومة المغربية ففجرت لحظتها ينابيعَ الدَّم ؛ دمُ الشهادة بِهدف ذمِّ الزعامة المزعومة .
“الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور” .
شكـرٌ على نعمة الله أن زال الحزن والألم بفضل الاستمساك بعصمة الدين ولحمة الوطن.
“خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”.
إعلانٌ عن فتح باب الأمل لمزيد من العمل ؛ عملٌ سيمتد في المكان والزمان إلى اليوم ؛ محققا للمغاربة الأمن والأمان .
هي إذن ؛ مقولاتٌ ذاتُ حَمولة دينية مقتبسة من النصوص الشرعية والأثرية تلخص لنا حياةَ رجل عظيم من رجالات التاريخ الوطني والإقليمي والدولي ؛ وهي حياة اتسمت بالجهاد والإصلاح والبناء عبر محطات مِفصلية سجَّل التاريخ أحداثها فصولاً ومشاهدَ وأجزاءً بمدادِ فخرٍ واعتزاز ، وشهادةٍ لوطنيين فداءً لروح الملك وحبًّا للوطن ونصرةً للدين .
أولا : شخصيةِ السلطانِ محمدٍ الخامسِ : المقومات والصفات والمكانة
1 – المقومات :
رجل مشبع بقيم : الإيمان – العزيمة – الصمود – الوفاء – الحب – الوطنية – التضحية – الشباب – الثبات – النضج السياسي .
ويمكن إجمال هذه الخصال على شكل خطاطة:
الإنسانية والتربية والوطنية والأخلاق والدين والفكر .
2 – الصفات:
صفات وألقاب أطلقها باحثون وأكاديميون وعلماءٌ على شخصه ، فهو : الملك المجاهد – أب الأمة – أب المغاربة — سلطان المقاومة – مؤسس التحرير والنهضة – محرر البلاد – بطل التحرير – بطل الاستقلال– رمز الحركة الوطنية – أب المقاومة _ رائد الحركة الوطنية – قائد العمل الوطني _ السلطان العالم – السلطان الخطيب – السلطان الفقيه – الملك المصلح .
3 _ المكانة : جعله الله في مقام المجددين في السياسة والدين ، وجعل الصلاح صفته والإصلاح على يديه مشروعا على عزيز البلاد ؛ أحبه شعبه حب الصادقين وأخلصت له الأمة الفداء والوفاء ، وهم أهل الدين والصفاء والنقاء ضُمن لهم البقاء ؛ مجدا وتاريخا وحضارة وعمرانا . ” إن تنصروا الله ينصركم “.
ثانيا : جهاد السلطان المصلح والخطيب المفلح : المراحل والخصائص والإصلاح.
1 _ المراحل :
مر جهاده رحمه الله بمراحل مِفصلية :
مرحلة الحماية : 18 نونبر 1927
مرحلة النفي : 20 غشت 1953
مرحلة العودة : 16نونبر1955 ؛
مرحلة التحرير والاستقلال : ومن خصائصها ؛ بناء دولة مغربية حديث عصرية تنخرط بقوة في المنتظَم الدولي لها عضوية كاملة ؛ بل عضوية تنفيذية والتي ستؤهل المغرب فيما بعد ليصبح قوة اقتراحية يرأس منتديات عالمية وينظم أخرى ، واليوم التاريخ يَكتب .
2 _ الخصائص:
• جهاد متدرج لكونه يسعى إلى إصلاحات يبني عليه المغرب حالا واستقبالا .
• جهاد جعل سلاحَه ومنهجَه : العلم والمعرفة.
• جهاد متكامل مس الجوانب الحياتية للأمة المغربية والعربية كما الشعوب الإفريقية .
وإن مما يميز فترة حكم جلالته قدس الله روحه وخلد في الصالحين ذكره :
• الإصلاح : إصلاح شمولي بِنْيَوِيٌّ لمكونات الوطن .
• التحرير : تحرير الوطن والعقل والطاقات .
• البناء : بناء الدولة وتقوية أركانها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والأمنية .
3 _ الإصلاح :
حيث عقب توليته سلطانا وأميرا للمؤمنين على المغرب بناء على البيعة الشرعة التي أقرها أهل الحل والعقد وهم العلماء ، سعى إلى مباشرة إصلاحات مدعومة في مواجهته لإصلاحات مزعومة وناهض من أجل التحرير بمواجهة التغرير بمزيد من التقرير في جميع المحافل وأمام كثرة الجحافل .
ونورد اقتضابا نماذج من تلكم الإصلاحات ببعض الذكر :
• إصلاح التعليم والتعليم الديني المتوسط والعالي ؛ وذلك بإنشاء : المدارس الحرة والمعاهد الدينية بكل من وجدة وتارودانت كما قام بإصلاح النظام التعليمي بالقرويين ويمكن الرجوع إلى “خطاب جلالته ليوم 25 شتنبر1956″ والذي تحدث فيه عن أمله في تحقيق الكفاية الدينية والعلمية والقضائية واللغوية التي تتحقق ببرنامج التخريج والتفويـج من الجامعة المغربية والتي أثبتت اليوم فعاليتها في تخريج العلماء والفقهاء والأطر الدينية كما أنه أسس أول جامعة مغربية عصرية وهي جامعة محمد الخامس بالرباط21 دجنبر1957 ، التي تعتبر أمَّ الجامعات المغربية العصرية.
” كان محمد الخامس ينشر التعليم الشامل والكامل بين الفتيان والفتيات ، وفتحه للمدارس الحرة وإصلاحه لنظام التدريس بالقرويين وتشجيعه للبعثات العلمية والحركة الإصلاحية التربوية بمختلف التشجيعات ، كلها عوامل أوجدت قاعدة تعليمية صلبة كانت الأساس الذي قام عليه صرح النهضة في عهد الملك المكافح ،”وأب الجهاد التعليمي”. “ومدرسة للقيم الوطنية” ” الذاكرة الوطنية” عدد: 136/ 2003 ص226 .
“والملاحظ هو أن قائد الحركة الوطنية قد طبق استراتيجية الثقافة على المستوى الوطني”. علي علام ، مجلة دعوة الحق عدد 390/2008 ص 70
هذا ؛ وقد بإصلاح تشريعي في مجال ضمان الحقوق المدنية والقانونية للمواطن المغربي مدونة الأحوال الشخصية .
إصلاح الحقل الديني والتأسيس للإعلام الديني : “مجلة” (دعوة الحق) ولكم أن تعودوا لكلمته الجامعة للمجلة في أول أعدادها .
الملك الخطيب : فقد كان يخطب في الأمة المغربية والإفريقية ؛وهكذا خطب في كل من المسجد الأعظم بطنجة والمسجد الأعظم بتطوان ومسجد انتسيرابي بجزيرة مدغشقر ومسجد حسان بالرباط .
وهكذا همت الإصلاحات التي أقدم عليها السلطان المصلح والخطيب المفلح ؛ الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية والحضارية والتعليمة والعلمية والدينية والإعلامية .
هي إذن ؛ إصلاحات شمولية استراتيجية تكاملية وظيفية عرفها المغرب بقيادة الملك الراحل والمقاومِ الباسل ، قبل المنفى وخلال المنفى وبعد العودة .
لقد كانت تلكم الإصلاحات تهدف إلى :
الحرية و الاستقلال و الوحدة الوطنية و الدينية والترابية وكذا تقوية الدولة ووظائفها بإشراك المغاربة في بناء المغرب .
وكان مما يوحد السلطان والشعب ؛ هو روح العمل الوطني في شقيه : الكفاح المسلح والكفاح الدبلوماسي الممثل في المفاوضات التي باشرها جلالته بالمغرب مع الجِينيرالات المقيمين العامين الذين فرضَ جلالةُ السلطانُ المغفورُ له سيدي محمدِ بنِ يوسفَ على فرنسا تغييرها باستمرار أو مع ممثلي الدول المعتدة ديبلوماسيا بالمملكة وكذا خارج المغرب في المحافل التي يحضرها السلطان حاملا قضايا مغربية وافريقية بل وإنسانية مُبْديا موقفه وتصوره “لنظرية تحرير الشعوب”.
كنت محتارا أي نص سيكون مختارا لأقفل به هذا العرض الذي عجزت الأقلام وما اكثرها هنا وهناك وهنالك عن الإلمام به وهي تخوض فيه بالطول والعرض.
“وهكذا قسَم حياته في المنفى إلى ما يلي :
قسم لنفسه وتفكيره وتعبده ، وقسم لأبنائه وأسرته وأهله، وقسم ثالث لإخوانه المسلمين في تلك الجزيرة النائية الذين وجدوا فيه الإمام المتبتل ،والواعظ النصوح ،والمُدرس المعلم ،والخطيب المؤثر حيث كان يؤم بهم في صلاتهم ، ويعظهم في مسجدهم ويخطب فيهم لأداء صلاة جمعتهم ،فقد وجدوا فيه نسك الصالحين وإخلاص المجاهدين ، وسلالة الرسول الأمين.” الصغير المصباحي ، دعوة الحق عدد 380 / 2004 ص:72.
وفي النص فقه واستنباط ؛ وهو : “معالم الشخصية المغربية حيثما ارجلت ارتحلت معها أخلاقها وقيمها وتدينها وصلاحها وتقواها ، فالمغربي سفير للدين والأوطان والسلطان”.
رحم الله الملكين المجاهدين الأبَ والنجلَ : محمداً الخامس والحسنَ والثاني وحفظ الله الحفيد ؛ جلالةَ الملك محمداً السادسَ بالسبع المثاني وحقق به للشعب المغربي الأماني .
آمين والحمد لله رب العالمين.