يتتبع الرأي العام الوطني هذه الأيام مسلسل الإحتجاجات التي تقودها فئات مهنية حرة من قبيل المحامين و الأطباء و الصيادلة و البياطرة ضدا على مشروع قانون المالية ( PLF) 2023 الذي يتحدث عن الإصلاح الضريبي أو ما أسمته الحكومة بالعدالة الضريبية.
قد يفهم المواطن العادي أن هذا رد فعل طبيعي على فعل حكومي يتغيى جمع الضرائب على فئات كانت بعيدة عن التضريب، لكن فهم سياقات ومكونات الأغلبية الحكومية، و التناقضات التي تعثرها نموذج البرلماني عن شيشاوة هشام المهاجري عضو لجنة المالية في مجلس النواب و المنتمي الى حزب البام الشريك الثاني في الحكومة، يدفعنا إلى توضيح بعض الأمور على الشكل الآتي :
1- إن حزب التجمع الوطني للأحرار ( RNI) الذي أسس سنة 1977 من طرف السيد أحمد عصمان و الذي كان يتكون من فلاحين و تجار كبار و ذلك لموازاة احزاب الحركة الوطنية التي دخلت في المسلسل الديمقراطي وبناء الدولة الوطنية، فهو خلق ليكون حزب وسط لدعم الأحزاب المشكلة لمختلف الحكومات بحيث شارك في حكومة التناوب التوافقي و مختلف الحكومات التي لحقتها ( حكومات جطو – عباس الفاسي- بن كيران) لكنه في حكومة العثماني في بداية سنة 2017 سينتقل الحزب للتعبير عن طموحات البورجوازيات الجديدة التي تتبنى الليبرالية الجديدة على النموذج الأمريكي في الإقتصاد و التي تعطي الأولوية للقطاع الخاص على حساب الشق الإجتماعي لتكتمل بصعود الأحرار ألى ترؤس الحكومة سنة 2021.
2-وجود تناقض بين الأحرار و البام و إن لم يظهر للعيان، و ما خرجة البرلماني هشام المهاجري إلا جزء من هذا الخلاف الذي قد يكون بسبب تخوف أكثر من طرف من السلم الإجتماعي و كثرة الإحتجاجات الفئوية.
3- “دعم” السيد بن كيران للسيد رئيس الحكومة أخنوش مناورة كبرى لتأجيج التنافض داخل مكونات الحكومة ل”تفجيرها” من الداخل و حتى لا تتوحد ضد المعارضة.
4- إن قانون المالية يلامس بشكل كبير الزيادة في الضرائب للمقاولات الصغرى و المتوسطة ( PME/PMI) و المقاول الذاتي و هذا يمس الطبقات الوسطى التي تضررت اصلا من ارتفاع الأسعار نتيجة السياق الجيوسياسي الدولي التي تتقدمه حرب اوكرانيا.
5 – شلل دور المعارضة المؤسساتية و امتدادها في الشارع الذي لم يجد من يؤطره و ترك فارغا على عواهنه و هذا قد يعلن نهاية الأحزاب التقليدية و دخول الفئات المتضررة المنتمية الى البورجوازية الوسطى و الصغرى المالكة للمهن الحرة و المقاولات المتوسطة إلى معترك الفعل السياسي دفاعا على مصالحها،من باب تأسيس نقابات و أحزاب و جمعيات و غيرها….الخ .
6- غياب الاصوات الناقدة و سكوت صناع المحتوى في وسائط التواصل الإجتماعي و الإعلام عن انتقاد ممارسة الشأن العام عكس ما كنا نلاحظه إبان حكومتي البيجيدي.
إن المغرب يعيش وضعا صعبا يتميز بسيطرة النيوليبرالية على الإقتصاد في ظل واقع يتسم بسياقات تحولات كبرى، تحتاج إلى رص الصفوف و دعم الفئات الإجتماعية المتوسطة و الضعيفة لخلق أمن إستراتيجي للبلد .