ليس من الصواب ولا من المنطق في شيء أن نأتي اليوم بكل وقاحة فنعاتب الذين لا يحترمون قانون الطوارئ الصحية، ونطلق عليهم ألقاب قدحية تسيء إلى طبقة اجتماعية محددة، وهذا الرفض خاضع لأسباب موضوعية تستدعي تفهم الواقع، أولا هؤلاء ليسوا في المناطق ذات الطبقة السكانية المتوسطة أو الغنية، هم من جلداتنا نحن الفقراء أبناء دروبنا المهملة هم منا ونحن منهم، مواطنون يؤدون ضرائبهم رغم حاجاتهم، هم ليسوا جهلاء غير واعيين بل ربما شدة وعيهم أفقدهم الوعي وربما العقل، وقد يكونوا أكثر وعيا من الذين استجابوا وخضعوا لقانون الطوارئ بدون مشاحنات ولا اصطدام مع المخزن، هذه الاستجابة ليست من الوعي في شيء ببساطة لأن الوعي فكري بالدرجة الأولى، وإنما هذا نوع من التواصل بين هؤلاء والدولة،لأنها دائما كانت في جانبهم تحرص علي خدمتهم لهم نفوذ لا نمتلكها نحن، مستشفياتهم راقية فيها جميع شروط الصحة السلامة، تعليمهم ليس هو تعليمنا جودته عالية يستجيب لمتطلبات سوق الشغل العالمي، أما نحن المهترئة مستشفياتهم الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود، نحن الفاقدين للأمن والأمان الاقتصادي والاجتماعي وطبعا السياسي، منا من يقطن في متر أو متريين أو ثلاث وفي أحسن حال بيت من بيوت ما يسمونه بالسكن الاقتصادي وليس من الاقتصادية في شيء، لقد ظن هؤلاء أن الدولة تحاربهم بل لا يعرفون أصلا بوجودها إلا حين تصلهم ورقة أداء واجبات الكهرباء والمياه، أو في حالات استثنائية كالتي نعيشها اليوم، كوفيد 19 فرض على الدولة أن تقول لنا أنا موجودة ولكم بالمرصاد لذلك يجبوا أن تخضعوا لمنطقي دون رفض ولا مناقشة، اخضعوا فهذا واجب وطني! يرد الطرف الأخر من أكواخ الفقر والإهمال ومن وسط بؤس الدنيا ليقول لست خاضعا فأنا موجود هنا من قبل مجيء كورونا، من تكونوا لكي نخضع لأبواقكم، نحن البائسين لقد نال منا القهر والحرمان حياتنا لقد أهزمنا البؤس وكنتم جنودا له ضدنا فعذرا سيدي، نحن اليوم ليس لنا في أسهم بورصة الحياة ما نخاف هبوطه وتراجعه لقد أفلس قبل زمن كورونا، والموت بفيروسه ليس إلا موت لأجسادنا أما أرواحنا وأملنا فقد مات ودفن في مقبرة شهداء بؤس الحياة، لكن رغم هذا سنخضع لطوارئ كورونا ليس خشية الفناء، وإنما إجلال لروح الإنسانية التي مازالت في أعماقنا، رغم ما فعلتم بأحيائنا ودروبنا ودواويرنا فلم ولن تستطيعوا قتل الإنسانية فينا.
اعلان
اعلان
اعلان