اعلان
اعلان
مقالات الرأي

السلطة في التربية ضعف في الشخصية!!

اعلان
اعلان

بقلم: ذ. فؤاد لوطة

السلطة في التربية ضعف في الشخصية

(أقصد السلطة التربوية الطاغية وغير المتكيّفة وغير المعقلنة)

اعلان

السلطة المتكيّفة تنضح بها الشخصية القوية التي تحاول كسب ولاء الآخرين عن طريق الإقناع والقيادة الحكيمة، والتي تتطلب رجاحة العقل والدقة في اتخاذ القرار والأمانة والصدق ، والوقار والرزانة وحسن التعبير، والتحدث بلغة فصيحة وأسلوب مقنع وبليغ.

صحيح أن السلطة التربوية تلعب دورا مهمّا وأساسيا في إنجاح عملية التربية، لكنها تتطلب الصبر والذكاء، فالإشكال يكمُن في عدم القدرة على اكتناه مضامينها الإنسانية والاجتماعية، ممارسة السلطة لا تعني التسلط والجبروت،بل تحتاج إلى ذكاء وخبرة، فنجاح التربية أساسها الشعور بالأمن والاستقرار والثقة حتى نساعد في خلق نمو نفسي سليم عند أبنائنا. العديد من علماء النفس يشيرون إلى أن أسلوب التسلط يشكل واحدة من أبرز وأخطر المشكلات التربوية التي تعيق النمو النفسي للطفل.

من الأشياء التي ما زالت محط جدل ومماحكة داخل المنظومة التربوية مسألة السلطة للأهمية التي تحظى بها لدى عدد من رجال التربية و علم النفس التربوي والاجتماعي حيث تعتبر الهاجس القوي من بين باقي الإشكالات التي تواجه المجتمع الإنساني، فإذا كانت مسألة السلطة تفرض ذاتها كوسيلة ناجعة أحياناً في حقل التربية وأداة فاعلة لدى أي مربي فإلى أي حد يمكن توظيفها وإلى أي حد يمكن تجاوزها ؟

اعلان

إنّ ممارسة السلطة التربوية لها أبعاد سلبية على نفسية أي طفل إذا مورست بشكل عشوائي وبالتالي إلى تأسيس مجموعة من العقد التربوية على مسار الطفل خلال حياته بصفة عامة، لهذا السبب انشق تيار تربوي يدعو إلى نبذ التشدد في الممارسة التربوية وعدم فرض أي نوع من العقاب سواء كان جسدياً أو نفسياً أو لفظياً بترك الطفل على حريته دون تدخل من المربي حتى لا يتهدم البناء النفسي والتربوي عند هذا الطفل، في حين أن فرقاً تربوياً آخر اتجه عكس ما اتجه إليه الفريق الأول بدعوته إلى توظيف السلطة التربوية رغم ما يقال بصددها لما تؤديه من دور فاعل في تربية النشء لأن الطفل إذا ما ترك على حريته الكاملة، فمع مرور السنوات سيصعب ضبطه وبالتالي توجيهه، إلا في حالات استثنائية خاصة، وفق نمط معيشي ووسط محيط عائلي جد سليم.

وبين كل هذه الاتجاهات ومن ضمنها النظريات التي تغزو مجموعة من الكتب والمراجع التربوية والنفسية والتي في أغلبها تدين الأسلوب السلطوي وتجمع على كونه أهم الركائز التي تعيق مسيرة النمو لدى الطفل وتجعل دوره جد سلبي على المستوى التربوي والنفسي والاجتماعي، تبقى التجربة والمراس هي الكفيلة بوضع ممارسة هذه السلطة وتأثيرها على الطفل من خلال المربين والأساتذة الذين يعايشون يومياً معاناة حقيقية في هذا الباب بعيداً عن التنظير أو الحلقات الفارغة التي لم تأت بنتيجة لهم، فالمربي أو الأستاذ يقف موقف الحيرة من أمر العديد من الأطفال والتعامل معهم بعد تجربة العديد من الطرق والنظريات، حيث أن أغلبهم يرون أن ممارسة السلطة لا تعني التسلط أو القمع أو فرض الجبروتية بقدر ما هي ممارسة تحتاج لنوع من حسن التعامل بطريقة الخبرة واستعمال الحيلة والذكاء، لأنه من الممكن أن تتحول السلطة في هذه الحالة إلى نوع من التسامح والتعلق والترابط العلائقي المتين بين الطفل والمربي، فالتربية لا تنبني على المفهوم الخاطئ لسلطة المربي، بل على أساس الذكاء الذي ينطلق من المحبة.

فالمربي الناجح الذي يستطيع فرض سلطته الذكائية على أطفاله من منطلق الحب للمهنة التي يمارسها وحبه للأطفال هو الذي يستطيع إشعارهم بوجوده وعدم الإعراض عنهم والمعاملة بطريقة غير قاسية بتحديهم والاستعلاء عليهم والقبض عليهم بيد من حديد لأن المربي العدواني لا يولد إلا تلاميذ بتصرفات أشد عدوانية شأنهم في ذلك شأن غيرهم من البشر سواء كانوا من المتعثرين دراسياً أو من المتفوقين، فعلى المربي أن يكون على وعي كامل بالظاهرات الشخصية البينية والسيرة على نفسه عند مخاطبته لتلامذته لأنها من الأساسيات التي تطور العواطف الإيجابية لديهم.

وبذلك يمكن أن نجعل من احترام الحرية الداخلية للفرد أداة تشكل المنطلق الأساسي لممارسة السلطة التربوية التي لا يمكن للتربية أن تكون بدونها، أما السلطة التي يجب أن تنبذ وتحارب هي تلك التي تبثر الحب وتحوله مقتاً وعداء تترتب عنه عدة أعراض وخيمة على الطفل أهمها العقد النفسية لأننا نكون قد قتلنا كرامة الطفل ووجوده كذات وشخصية متواجدة ضمن محيط قابل للتأثر بأقل القليل من الأحداث أبسطها الإهمال والتقصير.

وحسب اعتقاد العديد من المربين أن الطفل في حاجة إلى سلطة الراشد لكونها فعل تربوي طبيعي وضرورة حيوية لوجوده الاجتماعي وضمان الإحساس له بالأمن الفيزيائي والعاطفي وقد أكدت التجارب الميدانية على أن المربي أو الأستاذ الذي يفرض سلطته على الأطفال يلقى من جانبهم الحب والتقدير عكس الذي يتركهم وشأنهم، فالطفل في حاجة إلى هذا الأمن للمحافظة على توازنه الوجودي وهذا هو هدف التربية الأساسي الذي يطمح إلى تحقيق الرصانة الأخلاقية والتماسك الانفعالي عند الأفراد، وبدون سلطة مبنية على أسس من الذكاء وحسن التعامل لا يمكن غرس القيم الأخلاقية في نفوس الأطفال، وشعور الطفل بالقوة والسير على طريق الرشد عارفاً أن الإرادة القوية الناجمة عن السلطة تعزز إرادته الشخصية في حال الضعف والقصور، ليبقى عامل فرض الحب أولاً على الطفل وجعله يحبك هو المفتاح الأسمى لفرض هذه السلطة بدون تخوف لأنه تبين من خلال التجارب أن الأستاذ أو المربي الذي ينال حب الأطفال وتقديرهم هو الوحيد الذي يستطيع أن يؤثر فيهم ويستطيع أن يعمل على تطوير ذكائه وتوجيهه بالسلطة التي يراها مناسبة له، لأن طبيعة الطفل القابلة للتأثر بقوة حساسيتها البريئة لا تجيد ممارسة السلطة التربوية التي يشتكي منها أغلب المربين، فالسلطة التربوية الحديثة تتنافى قطعاً مع كل ما هو قسري لكونه يتنافى مع النمو والازدهار، فالسلطة المرغوب فيها هي سلطة العاطفة القائمة على مبدأ الاحترام والتقدير على أساس أن لا يطغى عليها جانب الذاتية والتداخل بين شخص المربي وما عليه.

أنسل من هذا المنعطف وأشير إلى أن ممارسة السلطة داخل الفصل هي بالنسبة للجميع شيء طبيعي مرتبط بتنشىة الأطفال ومن ثمة استدماج العناصر الثقافية القديمة الضرورية لاستمرارية المجتمع وبالتالي فإننا نغدّي آلية السلطة السياسية؛ فقبول المتعلم للممارسات السلطوية في القسم والمدرسة هي مقدمة ضرورية لقبوله السلطة السياسية.

أخيرا أقول إنه لمن الشطط ذلك التعنيف المبالغ فيه اتجاه المتعلمين سواء من إطار إداري أو تربوي، هذا العنف الذي يمارَس ضدهم والذي يتنافى مع الحب والاحترام يؤدي إلى جروح وجودية تنال من كرامة الطفل. لهذا أشرت في بداية المقال إلى الذكاء السلطوي، كن صعب المراس لكن كن أريحيا وحسّس تلميذك أنّ سلطتك أساسها الحب والتسامح والرغبة في الحصول على أفضل النتائج وتحقيق الأهداف المنشودة.

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى