متابعة: محمد أوباني
تعد مدينة تيزنيت الواقعة في الجنوب الغربي للمغرب، عاصمة تقليدية لصياغة الفضة، حيث تحتفظ هذه المدينة الجميلة بإرث عريق وتاريخ طويل في هذا المجال. تُعرف تيزنيت بكونها مركزًا لصياغة الحلي الفضية التقليدية التي تجسد الذوق الرفيع والتراث الثقافي العريق للمنطقة.
يشير المؤرخون إلى أن فن صياغة الفضة في تيزنيت يعود إلى عدة قرون مضت، حيث كانت وبرغم التطورات الحديثة، لا تزال تعتمد هذه الصناعة على مهارات يدوية تراثية تتوارثها الأجيال. الحرفيون الفضيّون في تيزنيت يستخدمون تقنيات وأساليب تقليدية لصياغة قوالب وأشكال فنية مدهشة، تجعل من كل قطعة فضية تحفة فنية فريدة من نوعها.
كما تضمن عملية صياغة الفضة في تيزنيت العديد من المراحل الدقيقة، حيث يبدأ الحرفيون بصهر الفضة النقية واستخلاصها من خاماتها. ثم يتم تشكيلها بواسطة أدوات يدوية تقليدية تعتمد على الطرق والطبع والنقش، وتزيينها بنقوش وزخارف معقدة، تعكس التراث الأمازيغي والزخارف الهندسية المميزة. كل هذه الخطوات تتطلب دقة ومهارة كبيرة لضمان جودة القطع النهائية.
و تشمل المنتجات الفضية مجموعة واسعة من الحلي، مثل الأساور، والعقود، والأقراط، والخواتم، بالإضافة إلى الأواني الفضية التقليدية. كل قطعة تعكس خبرة الحرفيين وبراعتهم في فنون النقش والزخرفة، وغالبًا ما تكون مستوحاة من الطبيعة والرموز الأمازيغية.
و لا تقتصر أهمية صياغة الفضة في تيزنيت على الجانب الاقتصادي فقط، بل تتجاوز ذلك لتكون رمزًا من رموز الهوية والثقافة المحلية. تعتمد الكثير من الأسر في المدينة على هذه الحرفة كمصدر رزق، مما يساعد في الحفاظ على هذا التراث من الاندثار. بشكل دوري، تُقام معارض ومهرجانات محلية تُعرض فيها القطع الفضية وتُبرز مهارات الصناع المحليين.
فرغم أن صناعة الفضة في تيزنيت ما زالت تحتفظ بجوهرها التقليدي، إلا أنها تواجه تحديات من العصر الحديث، من بينها التغيرات الاقتصادية والأنماط الاستهلاكية الجديدة. لمواجهة هذه التحديات، بدأ بعض الحرفيين في دمج التصاميم التقليدية مع لمسات عصرية، لجذب جيل جديد من الزبائن.
وتظل تيزنيت بفضل حرفييها المبدعين مركزًا هامًا لصياغة الفضة التقليدية. تلك الصناعة التي تعكس تاريخًا مشرفًا وحاضراً حيوياً، تجعل من المدينة وجهة لكل محبي التراث والثقافة الفريدة. تظل حلي الفضة رمزاً للأصالة والجمال، شاهدة على مهارة وعبقرية الإنسان المغربي في الحفاظ على تراثه العريق.