اعلان
اعلان
مقالات الرأي

الطواقم الطبية والسلطات العمومية بين إكراهات الواجب الديني والإنساني المهني

اعلان

ما أعجب ما يتعرض له الإنسان في هذه الحياة ، فبين عشية وضحاها اصبح الجميع في كل حالة تاهب قصوى حذرا من العدو الفتاك وخوفا من نتائجه الخطيرة وهذا الخوف مسالة طبيعية في البشر ومغروزة فيه.
إلا أن الذي دعاني لكتابة هذه الكلمات هو ذلك ” الاحراج ” الذي قد يجده
رجال السلطة من درك وشرطة وقوات مساعدة وقواد فضلا عن الوحدات العسكرية المرابطة في ثكناتها و رجالات الصحة ونسائها الذي يتواجدون في المقدمة، من أداء الصلوات في هكذا ظروف عصيبة ومخيفة من الناحية الصحية و ما يلحق هؤلاء جميعا من العنث والتعب والإرهاق .
فكثرة الضغط وسيلان المرضى وتناسلهم على المصحات والمستشفيات لا يترك لهم فرصة للراحة او على الاقل لاداء الصلاة.
وهذاعام في حق كل المسؤولين الذين يتحملون عبأ اخراج البلاد من هذا النفق المظلم.
فهل تسائل احد عن كيفية الصلاة؟ وقبلها كيفية الوضوء وتوابع ذلك ؟ وكم عدد الركعات التي ينبغي ادائها ؟ وفي اي وقت ؟ الى غير ذلك من الاسئلة الوجيهة والتي فرضت علينا طرحها والاجابة عنها. وذللك كما قلنا لوجاهتها وواقعيتها.
لهذا كله نبادر فنقول إن المسلم عامة والمنضبط بضوابط الشرع خاصة لا مندوحة له عن أداء ما فرضه الله عليه من صلوات وأذكار عقبها، أوأذكار كأوراد يرددها في أوقات محددة
كأدعية الصباح والمساء وأدعية وأوراد أخرى تقال في ظروف خاصة كهاته الظروف أو الحروب أوما الى ذلك من ملمات الأمور .
ولا أود الدخول في جزئيات دقيقة لا يعلمها إلا أهل الاختصاص في الشريعة ونظائرها من فنون العلم، كما انني لست بصدد إلقاء خطبة جمعة بما هو معهود من سرد لإحاديث و آيات ، غالبا ما تكون في غير موضعها، وأحاديث جلها ضعيفة أو متروكة موضوعة . ولكن أريد أن ألامس هذا الموضوع برفق وتوأدة يفهمها كل أحد له علاقة بالموضوع .ربما تفك ما اشتبك من بعض الآراء الفقهية ذات مصداقية والآراءالفقهية السطحية فنقول.
قال الإمام الشاطبي في الموافقات: “ثبت في الأصول أن شرط التكليف أو سببه، القدرة على المكلف به ، فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعا، وإن جاز عقلا” فليس المراد بها هنا ما نحن بصدده لأن قصد الشاطبي هنا هو: “الأوصاف التي طبع عليها الإنسان كالشهوة إلى الطعام والشراب لا يطلب برفعها ، ولا بإزالة ما غرز في الجبلة منها” لماذا ؟ يجيب الشاطبي:” لأنه من تكليف ما لايطاق:.
فلا يطلب من الإنسان “تحسين ما قبح من خلقة جسمه، ولا تكميل ما نقص منها، فإن ذلك غير مقدور” .
إذن الكلام هنا واضح لا لبس فيه بحيث ما ذكره الشاطبي لا يعنينا هنا البتة وليس هنا محل معالجته.
وإنما موضوع بحثنا ما جاء في قول الشاطبي رحمه الله في موضع آخر :” فإنه لا ينازع في أن الشارع قاصد للتكليف بما يلزم فيه كلفة ومشقة ما، ولكن لا تسمى في العادة المستمرة مشقة ” فهل وقوف الأطباء والممرضين ورجال السلطة ليل نهار مشقة اعتيادية ام لا؟
هذا هو السؤال المحوري الذي نحاول أن نجيب عليه بقدر الاستطاعة في محاولة بسيطة لتنوير بعض الإخوة الذين اتصلوا يسألون . وفي محاولة لطرح الموضوع للنقاش
فأقول باختصار إن هذه النازلة التي حلت بنا الآن و ألزمت هيئة الاطباء ومنسوبي الصحة بالمكوث في أماكن عملهم لها مثيلات في تاريخ الأمة عامة سنذكرواحدة عاشتها الأمة إبان الانحطاط.
كيف يؤدي المرابطون الفرائض والنوافل؟:
أول ما يتبادر إلى الذهن في هذه النازلة وهي كيفية أداء الفرائض وتوابعها حالة الحرب والخوف .
من المعلوم حالة الحرب والخوف أن يصلي الجيش صلاة الخوف وهي معروفة بعدد ركعاتها وضوابطها وصفاتها.
أ ـ لمحة عن صلاةالخوف:
شرعت صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع ، ووردت على وجوه وصفات متعددة . كلها جائزة وصحيحة على ما ذهب إليه جمع من أهل العلم.
فقد قال الإمام أحمد : “تفعل هذه الوجوه كلها ، لأنها كلها ثابتة واختلافها اختلاف تنوع” وتؤدى عليها كاملة كما وردت وهي صحيحة ومقبولة ان شاء الله تعالى.
رأي حر:
لا يهمني هنا إلا ما تتقاسمه هذه النازلة مع حالة الخوف في الحرب من حـيـث ما يصيب هؤلاء الرجالات الحماة للوطن ولبني الوطن من خوف بدرجات متوافتة أو على الأقل ما قد يصيبهم كنتيجة للاحتكاك المباشر مع المرضى على الأخص عند نزعهم للألبسة الواقية . فهم يتواجدون في الخط الأمامي خط مواجهة هذا العدو الفتاك والمثير للدهشة تفانيهم وعزمهم العظيم في محاولات مستميتة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عملا بقول الله :” ومن احياها فكأنما احياها الناس جميعا” وقول الرسول صلى الله عليه وسلم :” اذا قامت القيامة وفي يد احدكم فسيلة فان استطاع ان يغرسها فليغرسها”.
إذن كيف العمل ؟ بماذا سنعالج هذه النازلة؟
ما رأي الفقهاء والعلماء ؟ ماذا يرجح السادة الدعاة واهل الفكرالاسلامي؟
1ـ الله جل وعلا قال:” يريد الله ان يخفف عنكم” وقال”: ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج” وقوله :” يردي الله ان يخفف عنكم “، الى غير ذلك من الآيات الواردة في هذا السياق.
2ـ قال صلى الله عليه وسلم “ّ لا ضرر ولا ضرار” وقال ” ما شاد الدين أحد إلا غلبه” وقال : ” يسرا و لا تعسرا” وقال عليه السلام: ” ارم ولا حرج ” وقال: ” افعل ولا حرج” وقوله : ” إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني”
3 ـ ومن القواعد الفقهية المعتبرة ، قال صلى الله عليه وسلم “ّ لا ضرر ولا ضرار” والقاعدة : ” المشقة تجلب التيسير” إلى غير ذلك من القواعد والنصوص الصحيحة .
نتيجة:
بناء على ما استعرضنا من أدلة من الكتاب والسنة و القواعد الفقهية فإنه يجوزأداء الصلاة كيفما تيسر وفي كل الحالات وفي الوضعيات.
معلوم أن الصلاة بما أوجبه الله من طهارة وفي تجاه القبلة هي الأصل.
و إلا فانه إن تـعـذر على الأطـباء ومن دائـرتهم وخصوصا، وكذا رجال السلطة أداء الصلاة بالوضوء فيجوز في حقهم التيمم، وإن تعذر فبدونه ولو بالإشارة إلى محله أو الإيماء إليه فلا يشترط نهائيا ما يشترط في الحالات الاعتيادية.
فيخفف على الطبيب ورفقائه ورجال السلطة القيمين على المرضى في الوضوء و إلا وجب الانتقال إلى التيمم وأخيرا يسقط الجميع خاصة إذا خشي العدوى المؤكدة.
ثم تؤدى الصلاة بحسب الكيفيات المتاحة بدون تحجر ولا تعصب لآراء فقهية غير محينة. فلا يجب على المصلي التوجه إلى القبلة ولا تجب عليه الصلاة جماعة على اختلاف بين الأئمة في وجوب صلاة الجماعة في الظروف العادية.

قال تعالى: “ولله المشرق المغرب فأينما تولوا فتم وجه الله” فلا حجر ولا تعصب ولا جمود على نص بفهم قاصر .
أقوال بعض الأئمة في الموضوع:
قال ابن عبد البر: ” أما مراعاة القبلة للخائف في الصلاة فساقطة عنه عند أهل المدينة والشافعي إذا اشتد خوفه، كما يسقط عند النزول إلى الأرض ، لقوله تعالى: ” فإذا خفتم فرجالا أو ركبانا””.
قال أبو عمر:” مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وهذا لا يجوز لمصلي الفرض في غير الخوف…” .
” فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالاـ قياساـ على أقدامهم، أو ركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، فإليه ذهب مالك والشافعي وأصحابهما وجماعة غيرهم، قال مالك والشافعي: يصلي المسافر والخائف على قدر طاقته مستقبل القبلة ومستدبرها، وبذلك قال أهل الظاهر الخ…”
ولعل الناظر في هذا المقال يدرك معنا ان هذا المرض الذي فتك بالارواح باعداد مهولة وتسبب في حضر لاكثر من مليار نصف تقريبا لا يخرجون من بيوتهم لحري بنا ان نتعامل معه تعاملنا مع فقه الحرب فالفرق بينهما فقط في وسيلة القتل.
استدعاء واقعة من التاريخ:
وكم هي أوجه التشابه بين هذه النازلة اليوم وما حدث بالأندلس بارزة واضحة ففي سنة 1499م شرد المسلمون بالاندلس ونكل بهم ايما تنكيل .
ووصل بهم الحد أنهم ـ أي المسلمين ـ” كانوا يشعرون بالحرج من الدين الجديد ، فإذاذهبوا إلىالقداس أيام الآحاد، فذلك فقط من باب مراعاة العرف والنظام، ….وفي يوم الجمعة يحتجبون ويغتسلون ويقيمون الصلاة في منازلهم المغلقة،… وإذا عمد أطفالهم ، عادوافغسلوهم سرا بالماء الحار..”
وقد انتهت إلينا وثيقة عربية هامة تلقي ضوءا كبيرا على أحوال الموريسكيينفي ظل التنصير ، وتعلقهم بدينهم القديم، وكيف كانوايتحيلون لمزاولة شعائرهم الاسلامية خفية ، ويلتمسون من جهة أخرىسائرالوسائل والاعذار الشرعية التي يمكنان تبرر مسلكهم ، وتشفع لهم لدى ربهم ، مما يرغمون على اتباعه من الشعائر النصرانية.
وهذه الوثيقة هي عبارة عن رسالة وجهت من أحد فقهاء المغرب إلى جماعة العرب المتنصرين ممن يسميهم “الغرباء” يقدم إليهم بعض النصائح التي يعاون اتباعها على تنفيذ أحكام الاسلام خفية ، وبطريق التورية والتستر . وتاريخ هذه الرسالة هو 1رجب 910هـ الموافق 28 نوفمبر 1504م.
وهذا هو مربط الفرس، وحجتنا اضافة الى ما سبق في كون الصلاة ولوازمها تخفف على الشكل الذي قدمناه.
وإليك نص الوثقية:
” الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما، إخواننا القابضين على دينهم ، كالقابض على الجمر ، من أجزل الله ثوابهم ، فيما لقوا في ذاته ، وصبروا النفوس والأولاد في مرضاته ، الغرباء القرباء إن شاء الله ، من مجاورة نبيه في الفردوس الأعلى من جناته، وارثوا سبيل السلف الصالح، في تحمل المشاق ،وإن بلغت النفوس إلى التراق ، نسأل الله أن يلطف بنا، وان يعيننا وإياكم على مراعات حقه ، بحسن إيمان وصدق ، وأن يجعل لنا ولكم من الأمور فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا . بعد السلام عليكم،من كاتبه إليكم ،من عبيد الله أصغر عبيده ، وأحوجهم إلى عفوه ، ومزيده ، عبيد الله تعالى أحمد ابن بوجمعة المغراوي ثم الوهراني ، كان الله للجميع بلطفه وستره ، سائلا من إخلاصكم وغربتكم حسن الدعاء، بحسن الخاتمة والنجاة من أهوال هذه الدار ، والحشر مع الذين أنعم الله عليهم من الإبرار، ومؤكدا عليكم في ملازمة دين الإسلام آمرين به من بلغ من أولادكم . إن لم تخافوا دخول شر عليكم من إعلام عدوكم بطويتكم ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس ، وإن ذاكر الله بين الغافلين كالحي بين الموتى ,فاعلموا أن الاصنام خشب منجور ، وحجر جلمود لا يضر ولا ينفع ، وأن الملك ملك الله ما اتخذ من ولد ، وما كان معه من إله . فاعبدوه ، واصطبروا لعبادته ، فالصلاة ولو بالإيماء ، والزكاة ولو كانها هدية لفقيركم أو رياء، لأن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم ، والغسل من الجنابة ولو عوما في البحور ، وإن منعتم (منعنا الخوف من المرض) قضاء بالليل لحق النهار، فإن لم يمكن فالمشهور سقوط الصلاة وقضاؤها لعدم الماء، والصعيد إلا أن يمكنكم الاشارة إليه بالايدي والوجه إلى تراب طاهر أو حجر أوشجر مما يتيمم به ، فاقصدوا بالايماء، نقله ابن ناجي في شرح الرسالة لقوله عليه السلام : فاتوا منه ما استطعتم. وإن أكرهوكمفي وقت صلاة إلى السجود للاصنام أو حضور صلاتهم فأحرموا بالنية ، وانووا صلاتكم المشروعة ، وأشيروا لما يشيرون إليه من صنم، ومقصودكم الله، وإن كان لغيرالقبلة تسقط في حقكم كصلاة الخوف عند الالتحام …. “

اعلان

اعلان
اعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى